قلت في المقال الأخير (أكثر من موضوع) الذي نُشر في هذه الجريدة يوم 8-8-1431هـ: لقد أدركنا الصباح فتوقف قلم (أبي عبدالله وقيس) عن الكلام المباح (الموجود)
|
أما غير المباح فهو من باب أولى، وكنت سأتفرغ لتصحيح ديوان الشاعر عبدالله لويحان الذي سيعيد طباعته ابنه سلطان، بعد نفاد طبعتيه الأولى 1381هـ، والثانية 1400هـ، إلا أني عثرت في الصفحات والقصاصات التي أحتفظ بها، (والتي ملأت إحدى الغرف في بيت قيس وإخوانه وأخواته وأمه وأبيه) على مقال جيد قيّم للدكتورة فوزية بنت ......... البكر نُشر في هذه الجريدة بعددها 13050 الصادر في 17-6-1429هـ، عنوانه: كيف ينظر إلينا الآخرون؟
|
وكنت أشرت للمقال (الذي اندس بين القصاصات والصفحات) في إحدى فقرات مقال سابق لي، وقلت إنه لإحدى الفوزيتين.
|
تحدثت الكاتبة في مقالها إلى ما كتبته إحدى طالباتها (فاطمة.. وبس) عما دار بينها وبين ممرضة فلبينية تعمل في إحدى عيادات الأسنان الشهيرة قرب جسر (لا.. كوبري) الخليج بالرياض، كانت الممرضة متضايقة جداً من المشاكل التي واجهتها فور وصولها مطار الرياض، فلم تجد في أصحاب سيارات الأجرة من يتحدث الإنجليزية، ولم تجد مكاناً تأوي فيه لمدة يومين، وأضافت أن في بلدها بعض المسلمين ولكنهم مهذبون بعكس الناس هنا؛ حيث لا يوجد من يبتسم لك في الشارع، أو يلقي التحية أو حتى يرد عليها {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}.
|
وأضافت الممرضة (ابتسمت مرة لأحد الأطفال، وحاولت أن أعطيه قطعة حلوى، فصرخت أمه في وجهي، وحملت طفلها وهربت، لن أفعل ذلك أبداً ما دمت هنا، يا إلهي).
|
ثم أردفت (كنت أركض مرة في إحدى الحدائق، ففوجئت برجال الأمن «أو غيرهم» يلاحقونني وهم يصرخون ويشتمون (يا مرة يا أنثى يا حرمة)، لم أعرف السبب، كنت أصرخ بأعلى صوتي: أقسم أني لم أطأ العشب، إلى أن جاء شخص يجيد الإنجليزية فقال إن الركض ممنوع على السيدات «والآنسات» هل تصدقون ذلك، لقد بكيت من شدة الإحراج في حينه، ولكنني الآن اعتبره موقفاً مضحكاً أخبرت به كل أصدقائي في الفلبين).
|
وختمت الممرضة تذمرها قائلة: (لا سينما.. لا مسرح.. لا رياضة.. لا ركض في الشارع، والأسوأ من ذلك نظرات الاشتباه التي تواجَهين بها في كل مكان تذهبين إليه، في كل مرة أصادف رجل شرطة.. أضع يدي في حقيبتي على استعداد لإخراج جواز سفري والإقامة فور طلبه، إنه بلد غير مرحِّب بالمرة).
|
انتهى حديث فاطمة طالبة أستاذتها د. فوزية، وجاء دور الأستاذة التي قالت:
|
(وأعادتني صورها الشفافة إلى المئات بل الآلاف من المواقف المؤلمة المتناقضة التي أراها، سواء بوصفي إنسانة تتأذى من مظاهر التمييز العنصري الذي تتعرض له كل الجنسيات غير العربية، أو كامرأة تشاهد ما يحدث لسائقها أو لسائقي صديقاتها بحكم جنسياتهم أو عملهم.. ولن أنسى ذلك الموقف حين ترجل ذلك السعودي من مركبته واتجه إلى المركبة التي خلفه والتي يقودها رجل من جنسية عربية ومعه زوجته وأطفاله، وبدأ في تعنيفه اعتقاداً منه أنه (حاول) تجاوزه! ولم يتوان عن البصق في وجهه ثم الالتفاف والمغادرة بصلف واضح!!
|
ترجلت من سيارتي واتجهت إلى الجهة حيث كانت تجلس زوجة الرجل، تصوراً مني حجم الأذى والتدمير الذي سيحدث لها - لهما - لعلاقتهما معا - لرؤيتها له بوصفه رجلاً - لكل العائلة - وبادرتها بالاعتذار باسم كل السعوديين عما بدر من رجل جاهل لا يعرف معنى أن تكون مسلماً من بلد الحرمين، وأعطيتها اسمي واسم عائلتي وسألتها إن كانت بحاجة إلى شيء.
|
لم أكن أدري ما الذي يمكن عمله لمعالجة موقف غارق في بدائيته وعنصريته كهذا الموقف.
|
نظرت المرأة إليّ في يأس غريب متسائلة في سخرية قائلة: هي أول مرة؟!!!
|
ما الذي يحدث لنا؟.. نحن نحتاج إلى تركيبة نفسية جديدة تخلصنا من كل هذه المشاعر الملتبسة والمرضية تجاه الثقافات والجنسيات.
|
نحن بحاجة إلى أن نراجع قناعاتنا حول العالم ونعود لتشريح هذه التركيبة القيمية والشخصية التي شكلت هذه الرؤية المريضة.. وهذا موضوع أسبوعنا القادم).
|
ولو وجدت مقالها الثاني لأتحفتكم بشيء منه.شيء مؤسف ومؤلم أن يكون في مجتمعنا من يتصف بهذه الصفات الحمقاء الجاهلة المتخلفة التي تخالف ما ينبغي أن يكون عليه المسلم من أخلاق فاضلة تجاه الجميع، وهذه التصرفات السيئة تسيء إلى سمعة صاحبها ودينه ووطنه ومواطنيه.
|
|
كتبت - مرة - عن حادثة شاهدتها بنفسي وتألمت منها، إنها حين أوقف أحد النشامى (بالنون المعجمة) سيارته خلف إحدى سيارات مراجعي البريد، الذي رجا صاحبنا أن يزحزح سيارته ليتمكن من الخروج، إلا أن (الشاطر) (الجاهل المركب) رفض حتى ينتهي من المراجعة.
|
وقد أشرت عليه بهدوء أن يمكّن صاحب السيارة من المغادرة إلا أنه رفض بصلف وغطرسة وكبرياء؛ ما اضطر صاحب السيارة للانتظار حتى ينتهي (حضرته) من عمله، وهنا لم أملك إلا أن أردد (اللهم كما حسنت خَلْقي فأحسن خُلُقي).
|
والحالة الثانية: كنت ومجموعة من المراجعين ننتظر دورنا في أحد المصارف (البنوك)، ومعنا أحد كبار السن، وفي الصف الثاني شاب طائش ليس عنده من الأخلاق (حبة قمح)، فلما جاء دور الشيخ نهض باتجاه الموظف، إلا أن ذلك (السنافي) سبقه وجلس عند الموظف، فانكسر خاطر شيخنا، فواسيته ورجوته ألا يكترث للأمر، وأن يعلم أن التمر لا بد أن يكون فيه (حشف)، وعلى فكرة تذكروا هذا البيت:
|
زعمتني شيخاً ولست بشيخ |
إنما الشيخ من يدب دبيبا |
|
قالوا اضحك تضحك لك الدنيا، ابك تبك وحدك، ابتسموا أيها القراء، وإياكم والعبوس والتكشير، (روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلّت عميت).
|
كتب الأستاذ (لا يحضرني اسمه لبعدي عن المكتبة) في مجلة الفيصل في العدد قبل الماضي مقالة جيدة عنوانها (ابتسم من فضلك)، وجاء بطرفتين عن حمامصة أي من حمص، وطرفتين عن الصعايدة، فعلقت في العدد الأخير من المجلة بكلمة (نشرت نشراً سيئاً بحرف واحد لا يدري قارئها أين عنوانها وأين اسم كاتبها) قلت فيها: بسبب حبي للفكاهة والدعابة جمعت عشرات كتب الفكاهة ومجلاتها القديمة والحديثة، وشرعت في تأليف كتاب عنوانه (ابتسم من فضلك) ثم انشغلت عنه بمكتبة قيس بل وبقيس وإخوانه وأخواته وأمه (وأبيه)، وقد لجأت إلى اختصار الكتاب أو على الأصح اختيار بعضه ووضعه في دفتر أحمله معي، وأوسع به صدري وصدور زوجتي وأولادي وأصدقائي وأقاربي، وما لا يدرك كله لا يترك جله.
|
أوردت في مقالي في (الفيصل) طرائف عدة، ثم أهم كتب الفكاهة.
|
|
يشاهد زائر الشارقة (إحدى إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة) لوحة كتب عليها (ابتسم فأنت في الشارقة)، ورأى أحدهم في المنام لوحة في إحدى المطارات كتب عليها (لا تبتسم فأنت في .....).
|
|
الغضب خصلة ذميمة ابتُلي بها بعض الناس، وربما كلهم، ولكن بنسب مختلفة (بين مقلّ ومكثر)، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا تغضب. وتوجد أحاديث كثيرة حول الغضب، وما ينبغي لمن انتابه الغضب إلا أن يتوضأ، ويضطجع ...إلخ.
|
وإذا اجتمع الغضب والشيطان حلت الكوارث والجرائم، من قتل وتهشيم وتكسير، ولو كان أحد المتخاصمين (المتجادلين) حليماً لاستخدم حلمه وسكت عما تفوه به خصمه وأطفأ النار التي وقودها الغضب والشيطان الذي يستغل الفرصة ويزيد النار اشتعالاً.
|
وكثيراً ما نسمع ونقرأ عن جرائم القتل ونحوها (بسبب خلاف بين المتخاصمين المتخالفين) في أمور بسيطة فيتدخل الغضب والشيطان وعدم الحلم فيقتل أحدهما صاحبه أو يهشم جسمه.
|
|
كتبت عن التجاوز الخاطئ الذي يفعله بعض السائقين، وأسميته التجاوز القاتل، وإذا رأيت في الجريدة خبر حادث تصادم بين سيارتين وجها لوجه، رأيتهم يقولون (بسبب التجاوز الخاطئ).
|
وقد جمعت عشرات من هذه الأخبار المؤلمة؛ حيث ما زال البعض يرتكب تلك الأخطاء، ووضعتها في ملف مستقل.
|
والمؤسف أن مسلسل هذه الحوادث ما زال مستمراً، وما زال الأحياء لا يعتبرون بما حصل للأموات.
|
اللهم اهدِ قومي للقيادة السليمة، وعدم التهور، وعدم التجاوز في الأماكن التي لا يجوز التجاوز فيها، كالمنعطفات، والمرتفعات، وحين تكون الرؤية غير واضحة، اللهم آمين.
|
|
جاء في حديث (لا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا) أو ما هذا معناه.
|
هذه الدنيا الفانية لا تستحق ما يفعله كثير من الناس من التباغض والتحاسد لأسباب يمكن حلها ودياً وبالحِكْمة.
|
والمؤسف أن هذه التصرفات موجودة حتى بين الأقارب، بل بين الإخوان أحياناً.
|
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}.
|
أخشى أن تكون هذه الشفاعات والملايين التي تدفع ليعفو أولياء القتيل عن القاتل تتعارض مع الآية الكريمة {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فالله عز وجل أحكم بعباده وأعلم.
|
كما يُخشى من عواقب هذا العفو بأن يأتي شيطان إنسي ويعيّر الذي قبل مبالغ عن الدم، فيأتي الشيطان (الأصلي) ويحثه على الانتقام والأخذ بالثأر، فتكون الكارثة.
|
اللهم احمنا من الشرور والفتن والشيطان وحزبه.
|
www.abu-gais.com |
|