لعلّ فيلم»المصير»، للمخرج العالمي، المصري، اللبناني الأصل، يوسف شاهين هو من أهم الأعمال السينمائية التي عرفتها السينما العربية. يستشرف فيه شاهين مستقبل التيارات الفكرية الأبرز التي ستهيمن على العالم العربي في العقد المقبل من عرض الفيلم عام 1997.
تدور أحداث الفيلم حول الصراع السياسي والفكري الذي ساد الأندلس في عصر»ابن رشد». مسقطاً «شاهين» كل تصوّراته عن التركيبة الاجتماعية والفكرية التي سيزجّ بها العالم العربي في المستقبل، وهو الواقع الذي نعيشه اليوم.
فريقان سياسيان، يحركهما تياران فكريّان، أحدهما يستخدم الدين سلاحاً يرهب به المجتمع وينشر رسالة رفض الآخر، والفريق الثاني يتخذ من الدين وسيلة للانفتاح على الآخر، والتواصل معه حضاريّاً وثقافيّاً.
الفريق الأول، يستخدم ثقافة الإرهاب والانتحار والتخويف والسلاح لفرض السيطرة على فكر وثقافة وحرية المجتمع، متمثلاً بال»شيخ رياض» والمتواطئ مع زعيم طائفة الحشاشين حسن الصّباح. والفريق الثاني، يسعى إلى نشر ثقافة التسامح والمحبة والسعادة والفرح، متمثّلاً بالفقيه العلامة «ابن رشد».
الفيلم «عصرن» ابن رشد، وجعل منه بطلاً لكل زمان ومكان. يتحدّث بالعامية المصرية، ويمزح، ويحب زوجته ويغازلها. وهو نفسه الفيلسوف العظيم، وقاضي قضاة قرطبة.
وهذا هو نهج «شاهين» في كسر توقّعات جمهوره. فقد يميل عامة الجمهور إلى توقُّع أن يكون فيلم حول «ابن رشد» بالعربية الفصحى. لكنّه أبى إلا أن يكون «ابن رشد» وفكره حيّين، يصل برسالته إلى كل فئات المجتمع وطبقاته.
ومع أنّ تاريخ يوسف شاهين الإخراجي، يعتمد منهج الرمزية، والغموض، والفلسفة المعقّدة التي تخاطب نخبة النخبة. إلا أنّه في فيلمه هذا خصوصاً كان واضحاً، ومباشراً وصريحاً. فالقضية التي أراد أن يطرحها أخطر من أن يتناولها ب»غموضه» المعتاد. كان عليه عبء قرع أجراس الخطر بوضوح ومباشرة غير مسبوقين في تاريخه السينمائي. لأنه كان مدركاً مدى خطورة الأوضاع إذا ما احتد النزاع بين هذين التيارين.