Al Jazirah NewsPaper Thursday  15/07/2010 G Issue 13804
الخميس 03 شعبان 1431   العدد  13804
 
مهلة «ساراماغوا»من الموت انتهت!
خالد البسام

 

كان القدر رحيما بالروائي البرتغالي الشهير «جوزيه ساراماغوا» فأنهى روايته الأخيرة وهو طريح الفراش حتى توفي مؤخراً. فقد أصر الرجل وبروح قتالية أن يكمل كل ما يريد أن يكتبه ثم يرتاح للموت.

كان «ساراماغوا» الذي رحل مؤخرا عن عمر تجاوز 87 سنة يقول مثلما قالت له جدته يوما إن الموت لا يحزنه، لكنه يسبب له الحسرة لأن الحياة جميلة.

وعندما فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1998م أعلن كل الكتاب الذين يكتبون باللغة البرتغالية ابتهاجهم بالحدث بعد أن تناستهم هذه الجائزة العالمية بحيث لم يفز بها أحد غيره. وفي خطابه الجميل الذي ألقاه بمناسبة فوزه قال: إن الرجل الأكثر حكمة الذي عرفته كان لا يجيد القراءة ولا الكتابة.

والغريب أن هذا الكاتب الجميل لم يشتهر إلا بعد أن بلغ الستين من عمره، فقد بدأ حياته فقيراً جداً وسط عائلة من الفلاحين الذين يعلمون بالأجرة، وهجر المدرسة مبكرا وانصرف إلى مهن صغيرة وكادحة مثل صنع الأقفال والحدادة والزراعة، وبعد سنوات طويلة من تلك الأعمال دخل عالم الكتابة كمصحح لغوي في أحد دور النشر ثم انتقل إلى الصحافة والترجمة. وحتى أثناء انشغاله بتلك الأعمال روى يوما أنه فكر في أن يكون مدرسا جيدا، لكن بخلاف ذلك، «اكتفيت بأن لا أكون كاتبا سيئا»!

ولم يكن «ساراماغوا» في حياته الطويلة كاتبا فقط، بل مناضلا في كل مكان، فقد زار مدينة رام الله الفلسطينية عام 2002م وندد كثيرا بجرائم الدولة الإسرائيلية، وكتب عن جرائمها بحق الفلسطينيين في الصحف العالمية، وشبه الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي رتب الزيارة مع كتاب عالميين آخرين بالشاعر الشهير بابلوا نيرودا.

وفي روايته الجميلة كان يندد بالديكتاتورية والظلم وعدم العدالة دائما، وكتب أهم روائعه وهى «سنة موت ريكاردو رييس» و»العمى» و»تناوب الموت» و»الوضوح» و»الأسماء كلها» و»قصة حصار لشبونة» و»رحلة الفيل» وغيرها.

وقد عمل الروائي الجميل رغم حالته الصحية الأخيرة بتركيز ودقة وهو ما ميز مشواره الأدبي الحافل. بل إنه كتب روايات أثناء عمل إصلاحات في بيته، ولم يكن يفصله عن الصناع سوى حائط من البلاستيك، وكان يسمع، أثناء كتابته، كل حكاياتهم، وأثناء عملهم يسمع خبطهم وتكسيرهم للجدران، وعلمهم في دهان الحائط وغير ذلك. لكنه لم يقوم بلومهم يوما ما، بل ولم يفقد أعصابه، بل كان يقول دوما: هم لهم عملهم ولي عملي، ويجاورهم بكل سلام خلال الشهور التي يعملون فيها.

كان الرجل متواضعا وكثير الإنسانية في مواقفه تجاه بلاده و كل الشعوب المضطهدة، ووصل تواضعه واختفاؤه عن الناس إلى العيش في جزيرة «كنارية».

أما الشهرة التي لم يكن يحبها على الإطلاق فقد وصفها مرة: الشهرة ليست إيجابية في حد ذاتها، فأحيانا يكون الإنسان مشهورا لأسباب سلبية، ومن ثم، ما هي الشهرة ؟ الشهرة لا تتجاوز هذا!

حتى أنه عندما سألت إحدى الجرائد: هل الشهرة مخدر؟ أجاب: لا. لا أعتقد هذا فهذا ليس شيئا أنت مجبر على أن لا تكون شيئا وأكثر، أنت مجبر على أن تكون ما كنت وعلى فعل ما فعلت وسيحدث دائما ما حدث من قبل، لأن كل شئ يضيع في النسيان، فكل هذا سينتهي بعد قرون أو بعد أعوام، بألا تصبح لك تقريبا أية أهمية.

غير أن الأهمية اليوم في رأيي أن نقرأ «ساراماغوا» كأنه حي، وكأن سطور روايات وصفحاتها المشوقة قد ازدادت تشويقا وأملا وإنسانية كما فعل هو في حياته.



albassamk@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد