إن من يعتلي الشجرة الكبور.. يحدق من فوقها على كل المدينة الصغيرة «القرية» منبتها والعروق الصلبة قاعدتها وعروقها في عمق الأرض تشق الثرى بحثاً عن الماء وصلابتها بقدر صلابة الإنسان حين يرد الماء ليعيش ويحيي حقوله.
والإنسان يعيش الصعاب كنار تحترق في جوفه فيطفئها بصبره وإصراره...
ويوشك بأحلامه عطش الجمر ان يعود فروعاً لتنمو أغصاناً بوريقات خضراء تقاسمه العيش وفرح الحياة وتكون الحياة منبت الخطى للقادمين يكون الربان في عالي الشجر وكبير قوم مملكة العصافير في كل فروع الشجرة واحتواء لكل الوريقات.. القاص «عبدالله الناصر» حين تتقدم بخطاك ترانا نهرول باستشفاف واستشراف لمخاض يولد.. فنكون وقتها أقداح ملئت بماء زمزم ترطب بها النفوس. وحين نغوص قوافي خطاك بالرمل.. نكون أشرعة لك.. لك والرمل في باطن قدميك هو البحر.. ألا يا زارع الشيح في البراري مد لنا يداً وكن في ذاكرتنا كقامة النخيل وأرضك لنا وطن، ألا يا زارع السنابل شد لنا يداً كشجرة عالية فرعها في السماء وجذورها في عمق الأرض لتنبت لنا لغة الكلام حكايات كالشجرة.
حين نستشرق الحكاية تكون «الشجرة» كالمدينة الفاضلة لأفلاطون وهي نماء فكري يزاوج صلابة جذورها بمقياس المعاناة الإبداعية.
كإرث تاريخي يحاكي الرمز والصورة فقد أوقدت فضاءك لنا وطناً تبحر في زورقك فنكون مجاديفك نمد الخطى علناً، تستظل في شجرة رسمتها نمحو بها الوسنا.
وهنا كقراء ومتلقين نحمل السؤال.. في داخلنا كبير.
كيف نحمل بوابة وأشرعة..
كيف نصوغ المعاني حكايا موجعة.
كيف نصافح فيك التاريخ وأنت أهله.. فأنت كالنبت الموسمي تبقى في قلوبنا كالشيح ولونك الزعفران وفرشاتك لغة الكلام.
حين نغوص في جذور شجرتك ننمو معها سوياً حجرا على حجر ولبنة فوق لبنة والطين بيننا انغلاق يحجب الفضاءات في قراءتنا حين نتوغل أكثر.
عبدالله الناصر القاص..
الفضاء في ترحالك فسيح يعبق فنعبق معك وينتشي فنتنفس كل ما نعشقه في قراءتنا لك.
فأنت وطن السنابل أودية الدرعية وشعابها وبوابة الريح لديك مشرعة تنبت في المواسم سنبلة وأرضك الطين تشتهي المزن.. فتكون حقولك منابت كان يا ما كان في سالف العصر والأوان.
فأنت القابع في ترحالك..
قد مددت لنا عشقك.
لنمتطي فيك كل زوايا المكان.
ويصهل في داخلنا الصدى والمدى..
القصة في ذاكرة عبدالله الناصر لوحة وفضاء ترسم لنا كل التجاعيد وتضاريسها كمهابط الأودية والشعاب تسد فينا كل الزوايا ومنابت الصخور والمعنى يتدفق كأنشودة الصبح وكالقهوة تستبقك رائحتها وتطعم بمرارة مذاقها في القصة لكاتبنا عبدالله الناصر تختنق السنين فلا تتغير يحمل في داخلها كل الوعي وكل بقايا الذاكرة لغة ومعنى يكون صبحه ولادة عطاء ومساؤه قمر نحن نجومه بقراءتنا.
حين تطيب لنا القراءة مع كاتبنا نحلق في فضاءات واسعة تجلب لنا تقمص الحكاية وكأننا كأحد أبطالها نتحفز بالرؤية وننتظر القادم لقراءتنا كمتلقين ويكون الأصل هو الحوار بين العمل الإبداعي والمتلقي ويكون السهل الممتنع عنوان بين الكاتب والمتلقي في وصول الرؤية والمعنى والحس الحضاري للواقع المحلي.
وأتذكر واقع الكاتب الألماني «ديورانت» في كتاب: (قصة الحضارة) وإمعانه الشديد بحضارة الإسلام وواقع الإشادة بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وبلغة القرآن.
وكاتبنا عبدالله الناصر شديد الإمعان في لغة الكتابة وإثراء التحليل الذي يدل على أنه ينهل من معين لا ينضب تحلى بالقدرة التعبيرية وبلاغة التفصيل وتكثيف الرمزية في التخيل بطريقة تتناسب مع المتلقي الذي يجيد التحاور في صراعه مع إبداع كاتبنا.