«إذا كان إنسان مبحرا فليس معنى هذا مطلقا أن كل امرئ عنده وعي بهذا الإبحار»
سارتر
الفنانون جنبا إلى جنب مع كل فرد في هذا الكون..كلهم كائنات مفكرة. وسواء اتضح هذا في المنجز الفني أم قصر عن التشكل فيه فإن طاقة التفكير تجعلنا في طفو واحد على مستواها.. نختلف ربما في استقبالنا ووعينا بطاقة الفكر الكونية.. وفي إرسالها إلى الآخرين لكن هذا تحديدا ما يجعل للإبداع مستوياته.. حين الفكر نسغه.. وحين الفكر محدده. وحين المنجز الفني يقول أهمية أو تفاهة الوعي الذي شكله.
إن الفكرة التي يقدمها الفنان من خلال عمله الفني هي الوعي الذي يرى عالم الفكر من خلاله بحيث لا يعد العمل الفني إلا امتثالا لعظمة ذلك الوعي.. أما التلوين كفعل تزييني خصوصا إذا ما امتهن كتكرير آلي لجعل ما يسميه وسطنا الفني «البصمة الفنية» فهذا لاشك مؤذي للاتجاه التلويني.. وللاتجاه المعاصر أيضا إذا ما أصر على خامة معينة تحجم من الأفكار لتناسبها.
يقول الواس ريجل: «إن القضايا الشكلية للفن ومهامه الشكلية قضايا لاشك في أهميتها، وهي ليست من توهم أحد أو من اختراع أصحاب المناهج، ولابد لأي محاولة لوضع تاريخ علمي للفن أن تتابع هذه الأشكال والمشكلات.. بيد أن الأعمال الفنية لا تظهر إلى الوجود كحل لتلك المشكلات، بل تظهر المشكلات خلال إنتاج الأعمال الفنية التي تنتج للإجابة على أسئلة لا ترتبط كثيرا بالمشكلات الشكلية أو التكنيكية، بل هي أسئلة ترتبط بالنظرة إلى العالم، وبالسلوك في الحياة، وبالإيمان والمعرفة».
إن العمل الفني بالنسبة للجمهور.. يلقي على الفكرة جوهرها الموضوعي ليس بوصفها فقط راجعة إلى ما هو خارجي وشيئا صوريا يناقش الجوهر إنما لأن العمل الفني هو إحدى المعطيات الإبداعية المباشرة لإلهام العالم.. في هذه الحالة يمكن أن تلام أي فكرة محايدة تقدم المتداول والمعروف وأقصد تحديدا تلك الدائرة من الأفكار والموضوعات التي قبع فيها منجزنا الفني سنوات وسنوات وأسهمت الأكاديميات في صد أهمية الطاقة الفكرية للفن عنها في مقابل الإعلاء المفرط لأهمية التكنيكات التلوينية.
إننا لنخطئ في استمرارنا بالتحدث عن المدارس الفنية للإشارة لأعمال فنية تنفذ اليوم تفنيدا للتكنيكات الشكلية بينما هذه المدارس نفسها خطت فلسفاتها ووعيها من قبل سماحها لوعي مدارس جديدة في التشكل حتى وإن كان تشكلا افترض نوعا من التكنيكات ليظهر .. بينما أعمالنا اليوم لا تتكئ على أي وعي فلسفي أو فكري يتعلق بهذه المدارس.
إن اعتبار الفكر وفلسفته العميقة، لا السطحية المفتعلة في الأشكال الأكثر جمالية، اختبارا موضوعيا للإنتاج الفني المحلي، من شأنه أن يجعلنا في إدراك عميق لطبيعة السلعة الفنية المتداولة. والأخطر هو في أن هذا سيدفعنا بالضرورة لإدراك الدور الفادح الذي تخطه المؤسسة الأكاديمية في واقعنا الفني اليوم.. ذلك الذي يعطي ومبكرا للفنان شهادة بأهليته التزينية دون أن تساعده في التعرف بطريقة يجد من خلالها كنوز طاقاته الفكرية التي عليه أن يخرج من خلالها إلى العالم لتمثيل الفارق.