لا يشك باحث مهتم بتاريخ البلاد العربية أو بالجزيرة العربية أو بتاريخ المملكة العربية السعودية الحديث - على وجه الخصوص - بأهمية الأرشيف العثماني. ويبدو أن هذا الأمر لم يعد سراً أو مجالاً للتذكير به, بل إننا نجد الآن، وخصوصاً في مثل هذه الأيام، أن إستانبول وأرشيفها أصبحت قبلة للباحثين الجادين وغير الجادين, كما أصبح الأرشيف مرتعاً لكل باحث عن شيء افتقده ومأوى كثير من الطامعين. ومع ذلك نجد أن كل أحد يجد فيه بغيته، ولكن لا بد له أن يتحلى بالصبر والجلد؛ فالأرشيف والبحث فيه ليس بالأمر السهل، كما أن أوراقه صعبة المراس وآلية البحث فيها عصية, لمَن لا يجيد لغة القوم أو لغة العثمانيين القديمة.
وقد حصلت عن طريق أحد الزملاء على عدد لا بأس به من الوثائق العثمانية غلب عليها أنها بالخط العربي، وكان مما وجدته فيها منذ سنوات خطاب مرسل من واحد من أفراد البيت السعودي الحاكم والمقيم في مصر متزامناً فيها مع سنوات مكوث الإمام فيصل بن تركي، رحمه الله، بها. وهذه الوثيقة رقمها (2433/Imsn86)، قصيرة العبارة وقد لا تلفت النظر إليها, إلا أنها تتضمن دلالات كثيرة تاريخية وأسرية؛ فالدلالة التاريخية منها هي: تلك القضية التي استعصت على كثير من الباحثين الذين تناولوا سيرة وتاريخ الإمام فيصل بن تركي، وسر خروجه من مصر، وآلية ذلك وغيرها. وقد أدلى كل واحد من الباحثين بدلوه، إلا أن أقرب تلك الروايات هي الرواية التي دائماً ما يرددها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض - رعاه الله - وهي قوله: أن خروج الإمام فيصل لم يكن هروباً بالمعنى الحرفي لكلمة هروب، وإنما كان لأسباب سياسية وتوازن قوى, ومثل هذا القول لا بد أن يخرج من رجل سياسي يعرف ويدرك معنى توازن القوى ومدلولاته، كما أن هذا الاستنتاج كان له ما يدعمه في ذهن سموه، وهو روايته عن عمته الأميرة سارة بنت عبدالله الفيصل، حين تقول: إن والدها أسر لها عن والده، أن عباس باشا هو من أخرجه من مصر.
فلعل هذه الرواية التي أميل إليها كما مال إليها الشيخ عبدالرحمن الرويشد المؤرخ المشهور وكتب ذلك في مقاله له فارطة، تضمنت رأي سموه حول هذا الشأن.
وأعود إلى قولي السابق فإن هذه الوثيقة يظهر من نصها ولغتها أن خروج الإمام فيصل بن تركي كان خروجاً تحت نظر حاكم مصر، فما معنى أن يكتب الأمير عبدالمحسن هذه الرسالة بهذه اللغة التي كتب بها وهذه المعلومات والجمل الصريحة التي تدل دلالة قاطعة - بالنسبة لي - دون أدنى شك، إلى اطلاع من يحكم مصر على هذا الخروج وفق هذه الجمل الصريحة التي جاءت في الرسالة وهي قوله: «ومن شأن الأخبار الخاصة بنا فلعله أحاط علمكم بتوجه ابن العم فيصل وآخر الأخبار عنه أنه في جبل شمر».
فماذا يعني هذا الإخبار؟ فلو لم يكن يعلم الأمير عبدالمحسن أن هناك شبه يقين بعلم الباشا في مصر بخروج الإمام فيصل فلن يخبر عن ابن عمه، ولن يخبر بحاله؛ لأنه يفهم من لغة الخطاب أن كلاً من الحاكم في مصر والإمام فيصل وصاحب الخطاب كلهم جميعاً على علم بهذا الخروج, وإلا فلن يكتب صاحب الخطاب عن ابن عمه الإمام فيصل بهذه المعلومات التي تعد سرية، حيث يخبر عن مكان الإمام، وأنه وصل إلى حائل أو ما عبر عنه بجبل شمر؛ ولهذا فإن مثل هذا الخطاب يدعم فكرة وتوجه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان، حفظه الله، وهو مَن هو في علم التاريخ العام والتاريخ السعودي على وجه الخصوص.
هذا أولاً, أما ثانياً: فإنه لا بدَّ لي من القول إن الشيخ المؤرخ عبدالرحمن الرويشد قد قدم جهداً كبيراً ومقدراً حين عمل على كتاب: الجداول الأسرية لسلالات العائلة الملكية السعودية, وهو خير من يعمل على هذا العمل، فيا ليت أن يدعم وتذلل له الصعاب التي حدثني عن بعضها في لقاء سابق به. ومن المعلوم أنه خرج من كتاب الجداول الأسرية طبعتان حتى الآن, الأخيرة منها قبل ست سنوات, وهو مدعو أن يجعل هذا الكتاب مثل السجل, ويكون طباعته سنوية، ولو على نطاق محدود؛ ليواكب التطورات من ولادة ووفاة.
ومع هذا الجهد فإنه - كما نعلم جميعاً - عمل بشري لا بدَّ أن يعتريه النقص، ويحتاج إلى الإتمام دائماً, وأود أن أذكر أن هناك كتاباً لا يقل أهميةً عن كتاب الشيخ الرويشد عنوانه: «إحصاء الأسماء لأسرة آل سعود»، عمل الأمير عبدالمحسن بن فهد بن إبراهيم بن مشاري آل سعود, يقع في 58 صفحة، بذل فيه معده جهداً كبيراً في إحصاء الأسماء المتشابهة، وأعقب ذلك بملحق عن معاني الأسماء الواردة فيه, وقد نص الأمير عبدالمحسن في مقدمة كتابه أنه اعتمد فيه على كتاب الشيخ الرويشد، وهي طبعة خاصة وزعت على نطاق ضيق.
أعود إلى ما بدأته فأقول أما الدلالة الأسرية؛ فهي أن الأمير عبدالمحسن بن إبراهيم بن مشاري الذي ذكر اسمه في الخطاب اسماً ثلاثياً، وهو اسم لم يرد في كتاب الشيخ الرويشد؛ مما يمكن أن يضاف إلى كتاب الجداول الأسرية, مع العلم أنني سبق أن استدركت قبل ذلك أكثر من اسم، ووجدت المعارضة من البعض، مع أن تلك الأسماء واردة في الوثائق التي قد يحتج البعض بعدم أهميتها، أو صدقها، أو أنها أصابها التزوير، مع أن بعض الأسماء التي أشرت إليها والتقطها من الوثائق التي يزعم البعض عدم صدقها، أو أنها لم ترد في مصادرنا المحلية المتعددة، عند من أنكرها في أول وهلة، عندما لم يجدها بشكل مباشر فيما اطلع عليه من تلك المصادر، ليس هنا مجال التفصيل في ذلك.
لهذا فقد نبهت من قبل إلى عدم التسرع في الرفض حتى يثبت غيره؛ ومن هنا ماذا سوف نقوله عن هذه الشخصية التي جاء ذكرها مذيلاً في هذه الوثيقة ونصها:
فخر الأمراء الكرام ذو المجد والاحترام حضرة سعادة المحترم أسعد بيك المفخم أدام الله إجلاله آمين
وبعد إهداء أشرف السلام والدعاء والثناء على الدوام, فقد سبق هذا كُتب لحضرتكم ولم تفز بجواب فعسى المانع خيراً, ومن شأن الأخبار الخاصة بنا فلعله أحاط علمكم بتوجه ابن العم فيصل وآخر الأخبار عنه أنه في جبل شمر, وحاصل من الناس إقبال عليه, وقرب تاريخه صدر من الباشا إجازة لأولاد فيصل وحريماته يتوجهون إلى والديهم وحال تاريخه وهم متوجهون.
وثانياً: أفندم لم يبق في المحروسة من الجماعة سوى الداعي، وابنه، واثنين من الفقهاء، وغيرهم حريمات وأتباع, فالمرجو من مراحمكم وشفقتكم صرف جزء من همتكم في الفسح لهم إلى أوطانهم لتنالوا بذلك أجر الشافعين، وذكر المحسنين يبقى على مر السنين. هذا ومن لدينا الولد إبراهيم وبقية الجماعة يسلمون عليكم كثيراً.
ودمتم بخير 5 جمادى الأولى سنة 1259هـ
عبدالمحسن بن إبراهيم بن مشاري السعود
ومع صراحة هذا النص وذكر كاتبه لاسمه ثلاثياً في آخره, وكذلك ذكره لاسم ولده إبراهيم, لم تشفع له أن يكون ضمن سلسلة النسب الواردة في كتاب الجداول الأسرية، ولا مشجرة آل سعود، أعزهم الله، ولا في غيره من المصادر.وفي الختام آمل أن يعاد النظر في مشجرة آل سعود ويضاف إليها ما يستجد من معلومات وثائقية, بعد أن يتم الاطلاع على وثائق الوقف الموجودة عند فروع الأسرة, أو في أوقاف آل سعود التي أعتقد أن أمر الاطلاع عليها سوف يفيد في هذا الجانب. والسلام,
د. عبدالله بن محمد المنيف - جامعة الملك سعود