يعتبر السمع أحد الحواس الخمس لدى الإنسان، بل ربما يكون أهم هذه الحواس على الإطلاق، حيث تؤدي هذه العملية إلى الفهم والإدراك والتخاطب والمعرفة. وقد ورد في القرآن الكريم عدد من الآيات تشير إلى السمع والإنصات نذكر منها على سبيل المثال: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف، وفي هذه الآية يتضح لنا أن الإنصات (الإصغاء) يختلف عن الاستماع، فالإنصات يتطلب انتباها وتركيزا كبيرا. فالإنسان يمكن أن يسمع ولا ينصت. وفي هذه الحالة يمكن أن يفوته الإدراك الحقيقي للمعنى المراد من الرسالة.
ويمكن تعريف الإصغاء (الإنصات) بأنه (قدرة الشخص على الانتباه والتركيز أثناء تلقي المعلومة ثم التأمل والتفكير بهذه المعلومة). ولا شك أن الإصغاء مهارة تحتاج إلى بذل جهد وتركيز من قبل المتلقي خاصة إذا كانت المعلومة صعبة أو طويلة. ولذلك فإننا نجد أن هناك فروقا فردية بين الأشخاص فيما يتعلق بالإصغاء تدل على ضعف هذه المهارة لديهم يمكن أن نتعرف عليها من خلال المحادثة معهم وذلك عن طريق كثرة المقاطعة والانشغال بمظهر المتحدث وشكله والسرحان والملل والنظر إلى الساعة وغير ذلك. كما يمكن تحسين وتطوير هذه المهارة عن طريق التدريب والتعليم.
وعند تحليل عملية الإصغاء نجد أنها تتم من خلال سماع الكلمات ثم معرفة معاني الكلمات بعد ذلك معرفة الأفكار خلف الكلمات ثم أخيرا معرفة الرسالة خلف الأفكار. ولا شك أن الأسلوب الواضح، واستخدام الكلمات المناسبة المعبرة، والقدرة على إيصال الرسالة إلى المتلقي أثناء الحديث، يجعل المناخ مناسبا في إتمام عملية الإصغاء بين المتحدثين بطريقة سهلة وسريعة. كما أن استخدام لغة الجسم كالإشارات باليدين والحركات بالرأس والتعبيرات بالوجه والعيون يساعد في شد انتباه المتلقي وفهمه للمعنى المراد وبالتالي إيصال الرسالة له بكل دقة.
ولا شك أن الرسائل أحيانا تحمل مشاعر إلى جانب المعلومات أو الحقائق. ولا بد لنا أن نصغي للمشاعر والحقائق على حد سواء، حيث إن المشاعر هي المكمل للرسالة ولا نستطيع أن نفهم وندرك الرسالة دون فهمنا لمشاعر المتحدث. وغالبا ما تكون هذه المشاعر غير لفظية لكن يمكن ملاحظتها من خلال صوت المتحدث أو وجهه أو عيونه كاحمرار الوجه، ورفع أو خفض الصوت، واتصال الأعين، واختيار الكلمات وغيرها. وبالتالي نعرف الحالة النفسية والعاطفية لهذا المتحدث وما يعاني منه وما يود إيصاله كأن يكون خائفا أو خجولا أو حزينا أو منفعلا أو غير ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن الإصغاء عملية بالغة الأهمية وكثيرا من الناس لا يجيدون هذه المهارة لأسباب عديدة منها الشخصي والتربوي والتدريبي. لذا نجد أكثر الناس حريصين على الاستئثار بالحديث وعدم إفساح المجال للآخرين بالتعبير عن آرائهم وأفكارهم ومشاعرهم. وبالتالي فهم ينسون أن الله قد خلق لهم أذنين ولسانا واحدا لحكمة ربانية لعل منها أن يسمع الإنسان أكثر مما يتكلم. كما يتناسون أيضا الحكمة الشهيرة في هذا المجال: (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب). والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة