المشكلة الأرمينية عايشت مراحل التطور التاريخي للخلافة العثمانية منذ فتحها عام 1405هـ من قبل السلطان محمد الذي طرد جيوش تيمورلنك من آسيا الوسطى، وفي آخر حياد الدولة العثمانية وبدء العد التنازلي لنهايتها أثر تكالب الدول الأوروبية ببذل الجهود المستمرة لتفكيكها وركزت حملات إعلامية للتشكيك بقوتها وإظهارها بصفة (الدولة المريضة)! وقد اشترك العرب والأرمن في الثورة ضد السلطنة العثمانية ورفض سياسة التتريك التي تبنتها (جمعية الاتحاد والترقي) وقد حصد العرب بثورتهم ضياع أرض فلسطين بتنفيذ وعد (بلفور المشؤوم) وتقاسم بلاد العرب بين الفرنسيين والإنجليز حسب إتفاق سايس - بيكو ونفي زعيم الثورة العربية الشريف حسين إلى قبرص!
وكانت دولة الأرمن الكبرى من جبال آرارات حتى أوكرانيا حلم الثوار الأرمن وانتهى هذا الحلم بضم أرمينيا إلى الاتحاد السوفيتي!!
قضايا التحرر القومي في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا تستغل دوما لمصلحة الدول الكبرى، فأصبحت القضية الأرمنية ورقة ضغط بيد روسيا من جهة وبريطانيا أيضاً لتمرير مصالحهم في زعزعة أركان الخلافة الإسلامية العثمانية، وحاول السلطان عبدالحميد الثاني إنهاء التمرد الأرمني في غرب الخلافة بتكوين فرق عسكرية أسماها (القوات الحميدية) ومعظم أعضائها من العرب والأكراد لإخماد العصيان الأرمني في جبال (الكارس) وهرب العديد من العوائل الأرمنية للمدن الآمنة العثمانية - أسطنبول - ماردين - أورفه - أضنه - وتحولت معارضة الأرمن ضد حكم العثمانيين بإيجاد علاقات متينة مع الدول الأوروبية، وتحريض دول البلقان للمطالبة باستقلالها فتحركت دول كثيرة مثل بلغاريا ورومانيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك واليونان مطالبة بالانفصال واستطاع بعض جواسيس السفارة البريطانية في أسطنبول مد أعضاء جيش التحرير الأرمني بالسلاح للسطو على البنك العثماني (البنك المركزي للسلطنة العثمانية) وبعد الاستيلاء على البنك وأخذ موظفيه رهائن عرضت السفارة البريطانية توسطها على الخليفة عبدالحميد الثاني لإنقاذ الرهائن العثمانيين مقابل فتح العفو السلطاني للثوار الأرمن! والحدث المميز للصراع العثماني الأرمني محاولة اغتيال السلطان عبدالحميد الثاني بتدبير من مجموعة جيش التحرير الأرمني وبتحريض من الصهيونية العالمية لرفضه منح أرض فلسطين كوطن موعود لليهود في العالم، فقد قام منفذ العلمنة بزرع قنبلة موقوتة في العربة السلطانية حين تأدية السلطان لصلاة الجمعة في الجامع الحميدي بأسطنبول القريب من قصر يلدز ولكن إرادة الله سبحانه أنقذت السلطان المسلم بإعتراض موكبه أحد الفقراء من المصلين طالباً المساعدة، وأخذ في البكاء حتى سقط على الأرض فجلس السلطان يواسيه ويوعده بالاستجابة لمطلبه وخلال هذه الدقائق من التأخير انفجرت القنبلة وقتلت الكثيرين وجرحت منفذها وعرف بأنه يهودي من بلجيكا جندته فرقة هرتزل الصهيونية لتنفيذ هذه المؤامرة الخائنة!
ويروج اللوبي الأرمني في الغرب ما يسمى (بيوم الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915م) من قبل أفراد الجيش العثماني. وأود أن أقف عند هذا الحدث الكبير في تاريخ الأرمن وعلاقتهم بالسلطنة العثمانية وأقدم و(بتجرد) تحليلاً صادقاً لهذه المأساة الأرمنية؛ ففي أثناء الحرب العالمية الأولى والجيوش الإسلامية العثمانية تنسحب نحو داخل تركيا الحديثة أمام زحف جيوش الحلفاء الإنجليز والفرنسيين تحرك الطابور الخامس الأرمني في المدن التركية - ماردين وأضنه - بتكوين فرق مسلحة هجمت على الجيش العثماني المنسحب وقتلت الكثير منهم وتولت الإدارة المحلية في تلك المدن تحت مسمى جيش التحرير الأرمني وتولوا أيضاً عملية كشف مقرات ومخابئ المقاومة العسكرية العثمانية وسلبوا بنوكها وحرقوا العديد من المراكز الحكومية العثمانية، وإثر إجلاء القوات الفرنسية من الأراضي العثمانية المحتلة بقيادة مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك قام الجيش السابع بقيادة الجنرال كاظم كارابكي باشا بتطهير مدن أضنه وديار بكر وماردين من فلول جيش التحرير الأرمني وأثناء هذه المعارك سقط الكثير من الأرمن الأبرياء وهجر الكثير منهم عن ديارهم هربا من ويلات الحرب إلى الموصل وحلب وبيروت! فتركيا الحديثة لا ترغب أن تعترف بهذا الإرث العثماني لتأثيره على علاقاتها الدولية، وقد يلزمها بحقوق نحو المجتمع الدولي لو صدر قرار أممي من مجلس الأمن بإلزامها بتعويضات مادية للأرمن ويكون ورقة ضغط للدول الغربية للتدخل في الشأن التركي، ونتيجة لتطور العلاقات الاقتصادية الروسية من جهة مع تركيا وأيضاً مع دول الاتحاد الأوروبي وكون الأراضي بجمهورية أرمينيا ممراً عابراً للغاز والبترول من دول آسيا الوسطى إلى أوروبا تحقق الاتفاق الأرمني التركي في مدينة جنيف بدعم روسي أوروبي وأمريكي، ووقع أحمد داوود أوغلو وزير خارجية تركيا اتفاقية التبادل الدبلوماسي وفتح الحدود مع أرمينيا بعد قطيعة دامت أكثر من قرن من الصراع، واشترطت الدبلوماسية التركية على أرمينيا حل النزاع الحدودي مع أذربيجان بترسيم حدود إقليم كاراباغ بينهما ولكن الرئيس الأرمني سيرجي سركيسان أوقف التصديق على هذه الاتفاقيات في الوقت الذي يعلن فيه الكونغرس الأمريكي طلبه لتركيا بالاعتذار للشعب الأرمني.
هل يكون هذا التناغم في المواقف مجرد صدفة أم هو لعبة جديدة من التنسيق السري بين اللوبي الأرمني والصهيوني في أمريكا، وطرح وسائل ضغط جديدة على صناع القرار التركي الشعبين التركي والأرمني يأملون بتخطي هذه المحطات الصعبة في علاقة بلديهما وعودة السلام والصداقة بفتح الحدود المغلقة منذ 100 عام؟!
عضو هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية