(أطعموا مطوعكم لحم الدجاج.. وزوجوه البنت المغناج.. تدخلوا الجنة أفواجا أفواجا)..
هكذا كانت تروي أسطورة من أساطيرنا الشعبية عن مطوع استغل جهل الناس -في قرية الدهر الواقعة ضمن نطاق دولة الثقافات- فأخذ يقرأ لهم و يحدثهم بما طاب له ولهم. فموافقة الناس على ما يحبون ويرغبون في سماعه سواء بالتشديد أو التيسير تُكسب الشيخ قاعدة جماهيرية عريضة. ومطوع قرية الدهر هذا كان سمحاً مُيسراً على الناس طالما أن هذا التيسير تارة والتشديد تارة أخرى يُسهل تدفق لحم الدجاج إلى معدته ولا يتعارض مع فقدانه لنفوذ أو كشف لحقيقة عدم وجوب إطعام مطوع القرية للحم الدجاج وتزويجه البنت المغناج.
هذه الأسطورة على ما فيها من طرافة وتندر بعقول البسطاء إلا أن جوهر الحكمة منها كان ومازال يتكرر في جميع الأديان والمذاهب والشعوب والبلاد والأزمنة بلا استثناء مهما ارتقى المجتمع الفكري أو انحدر طالما كانت هناك اتكالية فكرية لفئة من المجتمع على أخرى وصاحب ذلك ضرب حجاب فكري -ديني أو ثقافي أو سياسي- على عقول الناس فتتعطل ويصبحون بإذن الله قطيعاً سعيداً غافلاً لا يعلم إلى أين يُساق، أ إلى المرعى أم إلى المجزرة.
لم تكن قرية الدهر تخلوا من صفوة أذكياء فُطناء يدركون خلط مطوعهم وخرطه وضعف إدراكه وقلة فهمه للأمور، ولكن بعضهم كان مستنفعاً من هذا المطوع وخرطه، كتاجر الدجاج ومأذون الأنكحة. وأما بعضهم الآخر فقد كان جباناً ضعيفاً يخشى مواجهة العامة. فالعامة في تلك القرية تنقسم إلى أقسام ثلاثة، تابع وتبيع ومتبع.
فالتابع، وهم الأغلبية، هو من لم يهتم بالأمر ولم يدركه. فهو إما مشغول بتوافه الأمور كصراع الديكة ومسابقة الحمام، وإما بتحصيل قوته وقوت عياله، وإما أنه لم يدرك خطورة خرط هذا المطوع واستنزافه لموارد القرية وأموال الفقراء، وإما أن يكون مشغولاً بقضية أخرى. فالتابع على اختلاف المسببات التي جعلت منه تابعاً في مسألة هذا المطوع هو فرد مسالم من أفراد القطيع لا يحفز القطيع على الإسراع ولا يثبط بهم ولا يتدخل بين النزاعات التي تنشب بين أفراد القطيع.
وأما المتبع فهو «مطيويع» تلميذ لمطوع هذه القرية. يتعلم أصول علوم «أطعموا مطوعكم لحم الدجاج» ويكتسب مهارات الخرط والخريط، وهو عادة لا يتورط في النزاعات بين أفراد القطيع لأنه يدركُ بعضاً من خرط مطوع القرية وجهله، ولم يتأهل بعد للطواعة، وإن كان يحفز القطيع على الطاعة العمياء لمطوع القرية.
وأما التبيع فهو من لا يدرك شيئاً ولا يعقل منطقاً ولا يُحسن فهماً ثم تراه وقد تولى كبر التأليب ضد من يخالف مطوع القرية.
وعودة إلى الأسطورة الشعبية التي تابعت القصة فقالت: وعلى غير ميعاد، مر بالقرية شخص له علم بكتاب الله وسنة نبيه فاستنكر على الشيخ قراءته هذه، فتصدى له الأتبعة (جمع تبيع) فقالوا كيف تخطئ مطوعنا وتزعم أن «أطعموا مطوعكم لحم الدجاج وزوجوه البنت المغناج تدخلوا الجنة أفواجا أفواجا» ليست من القرآن وأنت لا تجيد القراءات العشر كلها ولا تحفظ أسانيد إجازات قراءة القرآن ولم نعلم لك إمامة ولا مطوعة؟
إن مما سكت عنه أن من اشتمل عباءة الدين قد يصبح وهو يُحدث الناس بما لا يفهمون ويخبرهم بما لا يعقلون فعندها يُردد الناس -إذ لم يفهموا ولم يعقلوا خرط مطوعهم- لم نر مثل مطوعنا هذا، أعمق فقها وأغزر علما وأوسع إدراكا وأدق فهما، فعظم الله أجر أهل هذه القرية في عقولهم ودجاجهم وبناتهم.