Al Jazirah NewsPaper Wednesday  05/05/2010 G Issue 13733
الاربعاء 21 جمادى الأول 1431   العدد  13733
 
نبض الخاطر
إضافة للقول الآخر في الاختلاط
محمد المهنا أبا الخيل

 

تلقيت عدداً من الملاحظات حول ما طرحته الأسبوع الماضي حول الاختلاط، منها ما كان محض عتاب على ما اعتقده البعض أنه مساهمة في إذكاء سعير الجدال في الموضوع، ومنها ما كان مفيداً في غذاء الفكر لما احتوته بعض الملاحظات على بيان مدركات لم تكن في حاضر الوعي، لذا أجزل شكري لكل من تواصل معي حول الموضوع، المشجع منهم والمشفق، ولهم ولمن يتساءل عن موقفي من عملية الاختلاط، أقول لاشك أن لي موقفاً وهو مؤسس على طرح يأخذ في الاعتبار سعة الخلاف في الموضوع ويقوم على تقييم شخصي للمآثر والمأخذ، وهو لم يكن وليد الهوى والاستغراب أو الاستشراق أو الخوف والوجل من مصير مجتمعي الذي هو بيتي أنا وأهلي، ولكنه نتاج التدبر والتفكير والقياس والمقارنة، وما كتبته الأسبوع الماضي واتبعه كتابة اليوم، هو خلاصة نقاش الذات والبحث والاستقصاء وتدبر طروح الآخرين، والتي من خلالها بنيت موقفي، وهو غير مهم في هذا السياق ولا أروم الدفاع عنه أو الدعوة له، ولكن المهم وما أرمي له أن يجول في خاطر كل ذي عقل خصيم تلك الأفكار والمفاهيم التي تراءت لي عندما كنت أطور موقفي ذاك.

في الأسبوع الماضي ذكرت أن الاختلاط الذي نحن بصدد مناقشته هو الاختلاط المقيم وبينت أن ذلك الاختلاط هو بيئة لا علة فيه والعلة فيما يحدث من مخالفات شرعية تمس علاقة التعامل بين الأفراد من الرجال والنساء غير المحارم، وقلت إنه والحالة هذه يجب أن يكون التركيز على ضبط تلك العلاقات، وخصوصاً أن لدينا القدرة على ذلك من خلال النظم والأعراف والأجهزة الحكومية والاجتماعية كخيار أقل صرامة من منع الاختلاط برمته، واليوم أتبع ذلك النقاش بالقول إن عصرنا الحالي وما يتوفر به من تقنيات تستخدم في الاتصال يجعل الإلمام بمفهوم واضح للاختلاط عسير، فلو سلمنا أن الاختلاط هو حالة تتألف بها النفوس من الجنسين وهو المحذور المؤسس للمحظورات حيث لا تقوم علاقة إنسانية حميمة قبل التآلف والاستئناس لجاز لنا أن نعتبر الهاتف حالة اختلاط، وكذلك مواقع الإنترنت الحوارية وبرامج التراسل الإلكترونية وكل ما يدخل ضمن نطاق ما يسمى بالفضاء السيبرني. الواقع أن العلاقات التي تبنى في هذا الفضاء أكثر بكثير من العلاقات التي تبنى في الواقع المحسوس للاختلاط، ليس في مجتمع محافظ مثلنا فقط بل في أكثر المجتمعات ليبرالية في العالم مما دعا كثير من المجتمعات لسن قوانين تنظم العلاقات داخل ذلك الفضاء، والواقع أن الاختلاط في الفضاء السيبرني أكثر تيسيراً لبناء العلاقات غير المنضبطة لما يوفره من خصوصية الاتصال، إذا، لو خيرنا بين أي من الاختلاطين أقل ضرراً لكانت النتيجة في صالح الاختلاط المحسوس، فحقيقة أن جملة المخالفات الشرعية التي ييسرها الاختلاط المحسوس قليل ما تفضي لخلوة غير شرعية، في حين أن العلاقات غير المنضبطة في الفضاء السيبرني كثير منها تؤدي لخلوة غير شرعية، ولدي تصور بأن تقييد وتضييق الاختلاط المحسوس يقود لتوسع في الاختلاط السيبرني. في جانب آخر أجد أن المجتمع ينساق وراء تغيير سريع لم يعتده ولا يعرف كيف يتصرف حياله كمجموعات وكأفراد، فالاختلاط في أماكن العمل والدراسة وغيرها من التمظهرات الاجتماعية سيترتب عليها بناء علاقات وتعامل تستلزم تأسيس نمطيات سلوكية وتعابير لغوية محددة الدلالات والمعاني، مما يحد من سوء فهم الإشارات ويخلق التوجس والشك أو يشجع على التعدي اللفظي أو التحرش البدني، وبما يوفره الاختلاط من بيئة للتعامل المفتوح لاشك سيوفر فرصة لبناء علاقات استلطاف قد تكون بريئة الأغراض، ولكنها تستثير توترات اجتماعية لدى بعض الأسر ربما تؤدي إلى ارتجاجات عائلية، هذا الأمر لاشك جدير بالاهتمام ولابد من صرف جهد لإبرازه والتنبيه لأهمية إدارة العلاقات الإنسانية بين الجنسين بما لا يبرر سوء الفهم، وكما أن بيئة العمل على وجه الخصوص بحاجة لتقنين ضوابط تحكم التعامل ضمن البيئة المختلطة، وتلك الضوابط لا تقتصر على وجود مرافق خصوصية للجنسين بل يجب أن تشمل تنظيم العلاقات بين الرئيس والمرؤوس حتى لا تستغل العلاقة في خلق ضغوط في اتجاه غير صحيح أو استدراج لتصرفات غير لائقة. إن خلاصة إضافة اليوم هي أن هذا العصر له تحديات وإمكانات لا تتناسب معها حلول الأمس، بل يجب أن يصاغ لها حلول تناسب معطياتها، وهذه الحلول يجب أن تكون متناسقة مع ما هو ثابت التشريع ومتحررة مما هو متغير حتى تكتسب ديناميكية مقبولة، وهذه الحلول الاجتماعية بطبيعتها يجب أن تكون مشتملة على برامج تهيئة وإدارة للتغيير لما يمثله التفاوت في تقدير ذلك التغيير من مخاطر تستجلب إرهاق المجتمع بمخالفات سلوكية وتعديات تقود لإشكالات متنوعة. لذا لابد أن يتم تناول هذه التغييرات في بنية العلاقات الاجتماعية بصورة منهجية تأخذ في الاعتبار كل ما أشير إليه ولي التوفيق.



M9002m@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد