الناس على عكس الحكمة الهندية التي امتثلت لها القرود قبل الإنسان، تلك التي تتمثل في «لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم».. ومع دواعيها ومراميها، فإنها يمكن أن توظف في ساميات الغايات، فيغض المرء عينيه، ويصم أذنيه، ويلجم فمه عن كل بذيء، وفاحش، وفاضح، مما يهيئ للنميمة والبهتان، والتجسس، والغيبة، والظلم والعدوان، والجرح، والإيذاء، فحفظ الإنسان ذاته عن حفظ جوارحه، وحواسه، وأدواته، وأعضائه عملية بالغة الصعوبة، تحتاج لصبر مضاعف، ولمجاهدة مجهدة، ولبذل كبير إلا على الصادقين مع أنفسهم، المنجين ذواتهم من ضعة الأمور ووضيعها, و...
غير أن الحكمة تبدلت في زمن تعرف كل شيء، وصل أي أمر، وقل أي شيء، وانظر لكل شيء، واسمع كل صوت، فكل الأمور متاحة، إن لم تلج بواباتها، وتتسلل لمخابئها، وتتكلم في تفاصيلها، فإنك خارج سرب الموجة، متخلف عن الركب، أو تقليدي رجعي، أو غبي ساذج، وإما خبيث ماكر،... لم يعد هناك من رادع لفضائل الأخلاق، ولا كابح من حياء الإيمان، ولا صاد من أدب التعامل والتعايش...
عليك أن تصنع من الإنسان من يمثل الحكمة، ويزيح القرد عن منصته لتصبح: «أرى وأسمع وأتكلم»...
ومن بعد ذلك يمكنه أن يميز بين غث الحكم وسمينها..؟