Al Jazirah NewsPaper Wednesday  05/05/2010 G Issue 13733
الاربعاء 21 جمادى الأول 1431   العدد  13733
 

ورحل رمز من رموز الثوير

 

(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ), لا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير. فها هي الثوير تفقد علماً من أعلامها ووجيهاً من وجهائها، وهل من مصيبة - سوى فقد الدين - أعظم من الموت، وهل من موت أشد إيلاماً من موت العزيز، وهل حديث أصدق من الرثاء! إنه كلام ملتاع نبع من القلب اكتسى حلة الصدق، إنه خبر عزَّ على الأذن مسمعه، وأثرى على القلب موقعه، خبر يهز الرواسي، خبر ما تلتقي شفتاي بذكره، ولا يثبت بالي بخطره، أسخن العين وأضاق الصدر. ففي يوم الجمعة الثاني من جمادى الآخرة من عام 1431هـ، وعندما كنت في زيارة لمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وكنت بجوار قبره الشريف الطاهر، تلقيت اتصالاً من أحد الإخوة الأعزاء، يخبرني فيه أنه صباح هذا اليوم انتقل إلى رحمه الله تعالى الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز المسفر (أبو عبدالعزيز) وإن الصلاة ستقام عليه بعد صلاة الجمعة. إن وقع خبر وفاته ليس سهلاً، إنه نزول صاعقة، ذلك العابد الزاهد، التقي النقي الورع، الذي شمل بحبه القريب والبعيد، لقد أثر في النفس فقده، أكتب عنه والدمع نازل والحزن عاكف، إن مصيبته لمن عرفه مصيبة وليست أي مصيبة ألمت فألمت، ما أعظمه مفقوداً وما أكرمه ملحوداً مضى والمعالي تبكيه والمحاسن تعزي فيه، كان رحمه الله نعم الأب ونعم المربي، كان مدرسة لمن يجالسه وأنيساً لمن يؤانسه، كان ذاكر الله عز وجل ولا أذكر أني جلست معه فلم يذكر الله جل وعلا، وكان يهتم لأمر المسلمين ويدعو لهم ولولاة أمرهم - حفظهم الله. رحمك الله يا أبا عبدالعزيز رحمة واسعة، رحمك الله يا من تصل الرحم وتساعد المحتاج، رحمك الله يا صاحب الكرم والجود، برحيلك يا أبا عبدالعزيز احتجبت شمس في أفق أهلك ومحبيك وغاب بدر وأفل مع غيابهم نجم وأظلم أمام الأعين الدامغة أفق وانهمل دمع وتحشرجت صدور، وأن فقد رجل مثلك خسارة فادحة فأنت من جيل لا يعوض، مثلت زمنك خير تمثيل، وألبست أسرتك أرفع درجات الشرف بما أديت وبحسن خلقك وتصرفك، لقد استوعبت تراث الأولين ووفيت من رياض الكرم والشجاعة وحب الخير وتفقد المحتاجين والمساكين وصلة الرحم وزيارة المرضى والسؤال عنهم. كان رحمه الله يجلس مع الصغير والكبير ويكرم ضيفه، فقد كان رحمه الله عندما أزوره في منزله يفرح فرحاً شديداً ويهلي ويرحب، وكان دائماً يسأل عن الناس ويتفقد أحوالهم وأضرب لكم مثالاً أنه كان دائماً يسأل عني وعن أفراد أسرتي الصغير والكبير، وكان إذا فقدني أو تأخرت عن زيارته لمشاغل الحياة سأل عني وتفقدني وكان آخرها يوم الأربعاء قبل وفاته - رحمه الله - بيومين زارني وتفقدني وسألني عن أفراد أسرتي كافة، ولم أكن أعلم أن هذه الزيارة الأخيرة التي أراه فيها. رحمك الله يا أبا عبدالعزيز، لقد أحبك الصغير والكبير، القاصي والداني، ولم أذكر أن أحداً عرفك أم لم يعرفك رآك أم لم يراك إلا أحبك وذكرك بخير. برحيلك انطفأت شمعة من شموع الثوير بخاصة ومحافظة الزلفي بعامة. ولقد صدق الشاعر عندما قال في رثائك:

يا هل الثوير مصخرين الصعيبات

كلمة وتغني عن كثير الكلامي

لا عدو رجال الوفا والمهمات

أساميا تعرف ما بين الأسامي

منهم أبو مسفر تركله بصمات

يذكر بها والنور يجلا الظلامي

منها الوفا والوصل بين القرابات

ويساعد المحتاج شرق وشامي

وكلمة هلا بلسان راعي المروات

في كل لحظة مع مرد السلامي

طيبة على الفطرة ولابة مروات

مغرم بحب الطيب وأهله غرامي

إلى أن قال:

مع التواضع يمتلك طيب الذات

شيمة وعفة وسامية واحترامي

هذي شهادة حق في كل الأوقات

يا أهل المروة والسلام والختامي

أدعو لبو مسفر وللحق رايات

عساه بالجنة رفيع المقامي

هذا النجم الذي هوى على قلوبنا فأوجعها، ففراقه لم يمر مرور العابرين بل صنعه لاسمه علماً يرفرف، لقد كان هذا النجم الذي نشأ وترعرع في بلدة الثوير التي تقع على مسافة 40 كم شمال محافظة الزلفي وسط نفود الثويرات، ويعد من وجهائها الذين يشار إليهم بالبنان داخل محافظة الزلفي وخارجها خلال عقود كثيرة، أما عن أخلاقه وعفه لسانه ورحابه صدره فحدث ولا حرج فأنا ممن عرف (أبو مسفر) عن قرب وأنست مجالسته والاستماع إلى حديثه والنهل من كرم أخلاقه، فقد كان مجلسه مفتوحاً طوال العام لأصدقائه ومحبيه ولمن يزور الثوير من محافظة الزلفي ومن خارجها، فقد كان مجلسه لا يمل، وكان من توفيق الله عز وجل لهذا الرجل أن كان من شأن مجلسه المفتوح من مدى عقود الزمان تعزيز مكانته الاجتماعية وتبوء الصدارة بين أهالي الثوير ورجالاتها الكرماء الشرفاء، وعزائي أنك عند رب عادل وكنت للخير فعالاً. رحم الله الشيخ أبو مسفر رحمة واسعة. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجمعنا وإياه مع النبيين والصديقين والشهداء، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عبدالرحمن بن سليمان الفايز

رئيس مركز الثويرات بالزلفي

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد