Al Jazirah NewsPaper Wednesday  05/05/2010 G Issue 13733
الاربعاء 21 جمادى الأول 1431   العدد  13733
 

غربت شمس رائد من رواد الأدب والمعرفة

 

بلغ المكرمات طولاً وعرضا

وتناهت إليه عرضاً وطولا

حينما يفاجأ بعض الأشخاص برحيل قريب أو صديق حميم، لا بد أن يترحم عليه، وربما يحاول أن يكتب عنه كلمة تأبين ورثاء، منوهاً بما يستحقه من صفات حميدة وثناء عاطر وترحم؛ فسرعان ما يأذن لشريط ذكرياته معه، ومع مواقفه المحمودة بأن يتحرك تحركاً غير معهود في سرعته؛ ليمر بخاطره بعض المواقف الجميلة المشرفة؛ فينتقي ما يرى ذكره مناسباً للنشر عبر الصحافة اليومية؛ ليعبر عن مآثره الحسان، وعن بعض الأعمال التي سبق أن زاولها - إن وجدت -؛ ففي يوم السبت العاشر من شهر جمادى الأولى فوجئنا برحيل علم بارز من أعلام الأدب في الجزيرة العربية: إنه الشيخ الأديب والسفير أحمد بن علي المبارك الذي غادر عرينه مأسوفاً عليه بعد ظهر يوم الجمعة التاسع من شهر جمادى الأولى في الأحساء، وكان لوقع ذاك النبأ أثر عميق من الحزن في نفسي؛ فلم أملك في تلك اللحظة المؤلمة سوى الترحم عليه تالياً الآية الكريمة: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. ولقد قفزت بي الذاكرة في تلك اللحظة إلى أول لقاء به في مجلسهم العام المعروف لأسرة آل مبارك بالهفوف بحي الصالحية عام 1412هـ تقريباً، حيث تلقينا دعوة كريمة منهم بصحبة صديقهم الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن المديميغ، والزميل الراحل الدكتور حمد بن إبراهيم السلوم - رحمه الله - أثناء حضوره من الولايات المتحدة الأمريكية في إجازة قصيرة..، وكانت بداية طيبة للتعرف عليه - يرحمه الله -، وللتواصل مع أسرة آل مبارك المعروفين بالعلم والأدب الجم الرفيع؛ فأكرمونا واحتفوا بنا طيلة مكثنا لديهم، ودخلنا مجالسهم المعمورة بالعلم والآداب، وبتجاذب أطراف الأحاديث الشيقة، والمطارحات الشعرية والأدبية، ثم السكن ليلاً في المنزل المعد للضيافة في جانب أحد البساتين الخضراء والنخيل التي تسر الناظرين، ثم أعقب ذلك تبادل في الزيارات على فترات..، وكانت رحلة ميمونة عرفنا فيها كوكبة خيرة من المشايخ وعدداً من أنجالهم النجباء. ولقد ولد الشيخ الأديب أحمد بن علي آل مبارك بالأحساء عام 1337هـ تقريباً، ونشأ (أبو مازن) في صغره بين أحضان والديه ومع لداته وأترابه بحي الصالحية بالأحساء، وقد درس على أيدي مشايخ من أسرته، وعلى يد الشيخ عبدالعزيز بن صالح العلجي، ثم شخص إلى بغداد؛ فدرس بمدرسة دار العلوم العربية والدينية، بعد ذلك التحق بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بمصر عام 1356هـ، حيث شق طريقه في الحياة الدراسية مبكراً متحملاً مشاق السفر والغربة بعيداً عن أهله وأوطانه بأرض الكنانة بمصر لأجل تحقيق طموحاته في طلب العلم هناك منذ عام 1356هـ، فهو رجل عصامي بمعنى الكلمة، وقد لاقى الأمرّين في تلك الفترة من جوع ومرض، وذلك لقلة المادة لديه، ولدى من يموله في تلك العصور الفارطة مادياً. وقد حكى عن نفسه عبر برنامج (أماكن في ذاكرتهم) الذي كان يقدمه الأستاذ الفاضل إبراهيم بن أحمد الصقعوب - آنذاك - أنه لم يخصص له في بادئ الأمر سوى جنيهين لا يفيان بأبسط حاجاته، ومع ذلك قسا على نفسه، واستمر في مواصلة دراسته، ويقول أثناء حديثه إنه ظل يتغذى بقليل من الفول فقط في الوجبات الثلاث المعروفة؛ فنفسه تأبى أن يطلب شيئاً من أحد، وقد ساءت صحته نتيجة قلة الغذاء، ومع ذلك صبر في تلك السنوات (العجاف)، حتى عاد إلى أرض الوطن مسلحاً بسلاح العلم والأدب، ولله در الشاعر حيث يقول:

صبرتَ فنلتَ النصر بالصبر فالمنى

فما انقادت الآمال إلا لصابر

ويعتبر من أوائل الدارسين خارجياً، وقد تسنم عدداً من المناصب نذكر منها بعضاً لضيق المجال، حيث عين في عام 1371هـ مفتشاً عاماً في جميع مدارس المملكة، ثم عُين مديراً للتعليم بجدة لمدة أربعة أعوام، بعد ذلك عُين في وزارة الخارجية مديراً للإدارة الثقافية والصحية، ثم مديراً لشؤون القنصلية بسفارة المملكة بالأردن عام 1381هـ، ثم إلى سفارة المملكة بالكويت، بعده قنصلاً في البصرة لمدة أربع سنوات، ومنها سفيراً إلى جمهورية غانا خمس سنوات، وبعد ذلك إلى الدوحة عاصمة قطر كأول سفير للمملكة فيها عام 1392هـ، وقد حضر لقاء القمة الخليجي الذي أقيم في كلية البترول في المملكة العربية السعودية بالمنطقة الشرقية عام 1395هـ، وقد حضر هذا اللقاء جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله -، وبعدها عاد إلى أرض الوطن مكرماً، وعمل مديراً عاماً لإدارة الشؤون الإسلامية بوزارة الخارجية حتى تقاعد عام 1415هـ، وله عدة إصدارات أدبية، منها: الأمل والألم، عبقرية الملك عبدالعزيز، كما حظي بالتكريم داخلياً وخارجياً وأعلاه تكريمه في مهرجان الجنادرية بتاريخ 5-11-1423هـ بوسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى - طيب الله ثراه - بحضور الملك عبدالله - متعه الله بالصحة والعافية - وغير ذلك من الأوسمة والدروع؛ فهو بدر ساطع من بدور المحافل، وقد بدأ أحديته المشهورة في عام 1411هـ وكان الإقبال عليها منقطع النظير، كما كرم في اثنينية الشيخ عثمان الصالح - رحمه الله -، وجريدة اليوم، وفي النادي الأدبي بالشرقية، وفي منزل الأستاذ الوجيه الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن الماضي.

ورغم امتطائه أكثر من تسعة عقود مرقلاً نحو عبور (الهنيدة) فإنه كان محتفظاً بقواه الذهنية وبذاكرته التي لم تصدأ بل تجلوها وتوقظها محادثة الرجال ذوي العقول والآداب، وقد لمست منه ذلك في آخر محادثة معه عبر الهاتف، ثم أحسست من نبرات صوته، وتكرار دعواته، بأن يحسن له المولى الختام، فتضاءل صوته شيئاً فشيئاً؛ فعلمت أنها لحظات وداع إلى الأمد الأقصى، وكأني بالشاعر قد وجه مثل هذا البيت لأبي (مازن):

ألا إنما الدنيا كظل سحابة

أظلتك يوماً ثم عنك اضمحلت

رحمك الله - أبا مازن - وأسكنك فسيح جناته وألهم ذويك وأبناءك وبناتك وعقيلتك (أم مازن) ومحبيك، الصبر والسلوان..

(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)

عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد