أمس هو فرح لنا جميعاً لأنه باختصار يوم مسرح حقيقي لمتمرد واجه عُقد الوضع الاجتماعي الموغل في التقليدية المُقيدة للإبداع والتألق منذ كان طفلاً، نشأته مختلفة، فقد كان يلهو ويستمتع بأمهات الكتب في الأدب والثقافة والتاريخ والسياسة من مكتبة السيد المدرسة الأولى له في مدينة الطائف، التي اتخذ صاحبها من الأرصفة مقراً لها، فقد اعتاد ابن العاشرة على التردد على هذه المكتبة لاستعارة الكتب وقراءتها وإعادتها مرة أخرى ليبدأ رحلة استمتاع بكتاب آخر، ولصاحب هذه المكتبة نظرية عجيبة في بيع وإعارة الكتب، فهو لا يقرأ ولا يكتب ويقدر قيمة الكتاب بالوزن الذهني دون وعي منه بما يحتويه، إلا أنها مدرسة كان صديقنا المزدحم بهموم تفوق سنة يقدرها كثيراً.
اتجه لكتابة الشعر للشعر، لتنشأ بينهما جمالية الخيال وإبداع الكلمة، ولأن الإبداع متملكه إلى أخمص قدميه أحب الصحافة والتحق بها عبر عدة صحف محرراً وكاتباً في ظروف تتفقد الحياة الرقمية التي نعيشها اليوم، لينشأ أول صفحة متخصصة في المسرح من خلال جريدة البلاد.
توجه للمسرح صدفة، وما أجملها من صدفة من خلال جمعية الثقافة والفنون بمدينة الورد، لتبدأ حكاية المسرح والحياة، فقد تحوّلت حياته إلى مسرح، يستفيق على مسرحية ويشرح لتلاميذه في المرحلة الابتدائي بأسلوب مسرحي ثم يمضي بقية يومه في مقر الجمعية لينطلق إبداعه من لجنة المسرح بها. ولأنه حالة استثنائية ومتمرد بطبعة قام بدك حصون التقليدية التي عاشها المسرح في حقبة الثمانينات ليصنع نقطة تحول للمسرح السعودي من خلال كتاباته المسرحية التي اتجهت إلى الملحمية والرمزية والعبثية وصولاً إلى التجريب، سخر الشعر والإعلام اللذين يسكنانه إلى خدمة أبي الفنون ومستعيناً بما اكتسبه من مكتبة السيد لينتج لنا كاتباً مختلفاً تميز بأسلوبه الشاعري الخاص ونقده المدسوس في العسل، أنشأ مشروعه الذي حلم به ورشة العمل المسرحي مع من أيدوه وكانوا عوناً له من أبناء الجمعية، لتبدأ أكاديمية الطائف المسرحية المتمثلة في هذه الورشة في تثقيف أفرادها والخروج من معملها المسرحي بإبداعات أنتجت لنا (شدة القافلة والنبع وأنا مسرور يا قلعة والفنار والبابور ولعبة كراسي وبازار والبروفة الأخيرة والمحتكر وعصف وسفر الهوامش ونقطة آخر السطر وحلة قلق) إضافة إلى عروض المونودراما وعروض الأطفال، ليكون العامل المشترك الوحيد في هذه الأعمال هو نفسه ابن مكتبة السيد، وصل إبداعه إلى خارج المملكة للتلقف عدة فرق عربية نصوصه وتقوم بتجسيدها.تمسك بمشروعة وناضل من أجله ليتصدى إلى كل من حاول المساس أو العبث أو التقليل بكل ما يقدمه لينتصر أخيراً المسرح السعودي بهذا المبدع. إضافة إلى الإبداع المسرحي الذي أتحفنا به لأكثر من ربع قرن فهو مبدع إداري متمكن، حول مع زملائه الجمعية التي لا يتحرك بها إلا عضو واحد وهو المسرح إلى كائن حي مكتمل الأعضاء، لتصبح جمعية الطائف خلية إبداع في جميع لجانها.في هذا اليوم يحق لنا أن نحتفل بفرح المسرح السعودي: فهد ردة الحارثي لتمتزج مشاعر فخرنا بقامة مسرحية بحجم (فرح) مع سعادتنا وفرحنا بهذا التكريم المستحق.