Al Jazirah NewsPaper Wednesday  05/05/2010 G Issue 13733
الاربعاء 21 جمادى الأول 1431   العدد  13733
 
العالم والطاقة المتجددة
د. ناصر بن سعد العريفي

 

يقام هذه الأيام مؤتمر عالمي «كونجرس» حول الطاقة المتجددة يعقد كل خمس سنوات ينظمه «الاتحاد الدولي للطاقة الأرضية الحرارية». عُقد المؤتمر مرتين قبل ذلك في عامي 2000م بكيوشو باليابان و2005م بتركيا، ويقام حالياً بجزيرة بالي بإندونيسيا

ويحضره أكثر من ثلاثة آلاف متخصص في هذا المجال، إضافة إلى مشاركة العديد من شركات النفط التي حولت نشاطها أو جزءاً منه إلى الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة. يضم هذا التجمع الضخم كذلك عدداً من الدول الصناعية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان والصين وعدداً من دول أوروبا. حضر التجمع العديد من رؤساء الدول ووزراء الطاقة بالإضافة إلى بعض الشخصيات المرموقة في التخصص وكذلك الأمم المتحدة. ولقد كان حضور العلماء السعوديين المختصين في هذا النوع من مصادر الطاقة هذا المؤتمر ملحوظاً ومتميزاً، وكان لجامعة الملك سعود الحظ الأكبر من المشاركة، وهو ما يعد مفخرة نعتز بها كسعوديين.

يركز المؤتمر على نوع واحد من الطاقة المتجددة وهي الطاقة الأرضية الحرارية، وهو ما يتقاطع ويتزامن مع الأمر الملكي السامي بإنشاء مدينة الملك عبد الله بن عبد العزيز للطاقة النووية والمتجددة. وقد أشرنا في مقال لنا سابق منشور بهذه الجريدة الميمونة (ع 13720) إلى أن أحد إفرازات هذا التوجه الرشيد استغلال الطاقة الأرضية الحرارية التي تزخر وتتميز بها بلادنا حفظها الله. فيوجد قدر هائل من الطاقة الحرارية الأرضية متوفر بالقرب من سطح الأرض في العديد من مناطق المملكة وخاصة في الأجزاء الجنوبية الغربية منها. وهي مصدر طاقة بديل ونظيف ومتجدد. وتنشأ هذه الطاقة من مخزون في الصهارة في باطن الأرض والذي يقترب من سطح الأرض في بعض الأماكن ذات التراكيب الجيولوجية المعينة ومن ثم يسهل تقييم أماكن تواجد هذه الصهارة وكيفية الاستفادة منها. ويُقدر بأن حوالي 90% من كتلة الكرة الأرضية عبارة عن صخور تتجاوز حرارتها الألف درجة مئوية. ويستفاد من هذه الطاقة الحرارية بشكل أساسي في توليد الكهرباء وتحلية المياه وفي التدفئة والاستشفاء عندما تظهر على صورة ينابيع حارة.

ويجدر بي في سياق متصل سرد إحصائيات عن استخدام طاقة الأرض الحرارية على مستوى دول العالم. فتنتج الولايات المتحدة الأمريكية من هذه الطاقة 3390 ميغاوات سنوياً، بينما تنتج الفلبين 1904 ميغاوات سنوياً، وإندونيسيا 1197 ميغاوات سنوياً. ويُعتقد بأن أول دولة بدأت في استخدام هذا النوع من الطاقة بشكل اقتصادي هي آيسلندا والتي تنتج الآن 575 ميغاوات سنوياً وتعتمد بشكل كبير على هذه الطاقة في جميع المجالات الصناعية والزراعية والسياحية بالإضافة إلى التدفئة وغيرها من التطبيقات مع العلم بأنها هي المصدر الوحيد للطاقة في هذه البلاد. والملفت للانتباه إشارة بعض الإحصائيات إلى أن مجموع ما ينفقه المواطن الأيسلندي على شراء الجرائد اليومية يفوق بكثير ما ينفقه على الطاقة التي يحتاجها للتدفئة والإنارة. ويبلغ الاستخدام المباشر للعالم من هذه الطاقة حوالي 0.6 % في إفريقيا و18.4 % في الأمريكتين و33.8 % في آسيا و45 % في أوروبا و2.2 % في باقي دول العالم. ويتم استغلال هذه الطاقة في الاستخدام المباشر من سبع دول في إفريقيا وخمس عشرة دولة في الأمريكتين وست عشرة دولة في آسيا وسبع وثلاثين دولة في أوروبا. بينما تُستغل لإنتاج الطاقة الكهربائية من خلال دولتين في إفريقيا وست دول في الأمريكتين وست دول في آسيا وسبع دول في أوروبا.

وبخصوص تكلفة الكيلوات المستخرج من مصادر طاقة مختلفة نجد أن الكيلوات المستخرج من الوقود الحيوي يكلف 5-15 سنتاً أمريكياً، ويكلف الكيلوات المستخرج عن طريق طاقة الرياح 5-13 سنتاً أمريكياً، والكيلوات المستخرج من الطاقة الشمسية «الألواح الشمسية» 25-125 سنتاً، والكيلوات المستخرج من الطاقة الشمسية «طاقة التسخين» 12-18 سنتاً، والكيلوات المستخرج عن طريق الطاقة الصادرة من الأمواج البحرية 8- 15 سنتاً، بينما يكلف الكيلوات المستخرج عن طريق الطاقة الحرارية الأرضية أقل من هذه جميعاً حيث يكلف حوالي 2-10 سنتات أمريكية. لقد تم نشر هذه الإحصائيات في المؤتمر، وهي إحصائيات حديثة تتعلق بعام 2010م.

أثار لديّ حضور هذا المؤتمر والاطلاع على هذه الإحصائيات بعض الأفكار والتساؤلات:

أولاً: لاحظتُ إحاطة قيادتنا الرشيدة بما يدور حولنا في العالم، واستجابتها السريعة والمدروسة لما يخدم مصلحة هذه البلاد بإصدار الأمر السامي بإنشاء مدينة الملك عبد الله بن عبد العزيز للطاقة الذرية والمتجددة؛ وهو ما يفرض علينا تساؤلاً كمختصين: هل سنكون على قدر الاهتمام نفسه بارتياد آفاق جديدة من البحث والتحليل في هذا المجال وسبر أغواره؟ وهل سنصل لدرجة تقر بها أعين مليكنا المفدى؟؟

ثانياً: آيسلندا - الدولة الجليدية - يعد المصدر الأساسي للطاقة فيها الطاقة الحرارية الأرضية، وهو ما يفتح آفاقاً واسعة من الأمل في تحقيق بلادنا الغنية بهذا النوع من الطاقة لأعلى معدلات الإنتاج العالمية منها؛ وهو ما سيقلل لحد كبير من استنزاف جزء كبير من البترول في توليد الكهرباء وتحلية المياه وتوجيهه لاستثمارات أكثر ربحية.

ثالثاً: التوجه الرشيد السامي لهذا النوع من الطاقة يتوافق مع اختيار البديل الأقل تكلفة لانخفاض تكلفة سعر الكيلوات المستخرج منها عمّا عداه؛ وهو ما يعد تفكيراً اقتصادياً رشيداً.

رابعاً: وأختم بسؤال كبير وهام: هل ستهتم الأقسام المعنية في الجامعات السعودية بالاستثمار في هذا المجال عن طريق استقطاب الخبرات المتميزة في هذا المجال من العلماء العرب؟ ومتى سنرى إحدى الجامعات السعودية المرموقة تستضيف مثل هذا التجمع العالمي؟؟؟

(*) أستاذ الجيوفيزياء بجامعة الملك سعود - عميد كلية المجتمع بالقويعية


nalarifi@yahoo.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد