يرتكب شخص ما جناية أو جريمة، بل وحتى جنحة؛ فيعاقَب لتقويمه ولحماية المجتمع وتحصينه وردع أصحاب النفوس الضعيفة ولإصلاح الأفراد..
تلك هي الأهداف التي توخاها مَنْ وضعوا فكرة إقامة السجون التي تسعى الكثير من الدول إلى تحويلها إلى إصلاحيات؛ حتى تتوافق الأهداف مع الأسماء والمساعي؛ فالهدف هو إصلاح الإنسان الذي ارتكب الجريمة.. هذا هو المسعى، وهذه هي الأهداف النبيلة التي يتوخاها من يسعون إلى تطوير السجون.. إلا أن الأكثر أهمية والأكثر نبلاً الاهتمام بأسرة هذا الإنسان والنتائج السلبية التي أفرزها عمله اللا مسؤول على الآخرين، الذين تنعكس أعمالهم الانحرافية سلباً على أقرب الناس إليهم، وهم أفراد أسرهم؛ فغياب (رب الأسرة)، وهو الذي يوفر لهم الدعم المادي والأدبي والأخلاقي، ويمثل وجوده أماناً أسرياً واجتماعياً.. يؤدي غيابه عن الأسرة أثناء قضاء العقوبة الواجبة عليه إلى غياب كل ذلك الأمان الأسري؛ ما يؤدي ببعض الأسر - إن لم يكن أغلبها - إلى انحراف بعض أفرادها وضياع أبنائها؛ ما يؤدي إلى توسيع الهوة بين المجتمع وأفراده ومؤسساته، وهو ما يستمر حتى بعد إطلاق سراح المسجون الذي تقفل أبواب العمل في وجهه.
هذا الضياع وانحراف العديد من أسر المسجونين لا بد أن يؤثرا سلباً على النسيج الاجتماعي، ويؤثرا على بنيته السلوكية، وهنا تبرز دور مؤسسات المجتمع للقيام بدورها في ظل النهج الذي تسير عليه المجتمعات الإسلامية التي تعتمد وتتبنى التكافل الاجتماعي الذي يفرض واجباً ملزماً على مؤسسات المجتمع، وحتى الأفراد، لمد يد العون إلى أسر المسجونين الذين يحتاجون إلى الدعم لمساعدتهم في تخطي عقبات غياب معيلهم ورب أسرتهم، خاصة أنهم غير مسؤولين عن فعلة ذلك الغائب.
يأتي هذا الدور الإنساني والأخلاقي وحتى الوقائي لأن حماية أسر المسجونين وتحصينهم من انحراف أفرادها هو عمل يخدم المجتمع عموماً، وإن تركزت الفوائد المؤثرة على أفراد الأسرة التي هي أساس المجتمع؛ ولهذا فإن عقد الملتقى الثاني لرعاية أسر السجناء المفرج عنهم وأسرهم يُعدُّ إضافة تراكمية وتأكيداً إضافياً على الاهتمام بفئة السجناء وأسرهم، وستُعالج الأبحاث والمناقشات في هذا الملتقى حتماً الآثار السلبية لإقصاء السجناء، وأثر ذلك على أسرهم والمجتمع.
ولا شك أن استمرار عقد مثل هذه اللقاءات لا بد أن ينعكس إيجابياً على بناء المجتمع السليم وتنقيته من الشوائب السلبية.
***