الجزيرة - الرياض
يأتي كتاب (محاربة الإرهاب)، الصادر باللغة الإنجليزية عن دار اكسفورد المرموقة للنشر، لسفير المملكة في لبنان علي عواض عسيري في وقت شديد الأهمية بعد أن انتشرت ظاهرة الإرهاب في العالم بشكل غير مسبوق، وبدأ يضرب، بغير تمييز، شرقا وغرباً وشمالاً وجنوباً حاصداً أرواح الكثير من المدنيين الأبرياء دون ذنب اقترفوه.
ويقول المؤلف: إن الإرهاب بمثابة وباء يجب محاربته والتخلص منه، وعبر عن أمله في أن يساهم كتابه في تطوير استراتيجية لهزيمة قوى الإرهاب وجعل العالم مكاناً آمناً للعيش فيه للجميع دون تمييز على أساس اللون أو العرق. وأهدى كتابه لهذا الحلم معرباً عن أمله في أن يتحقق قريباً.
يحاول السفير عسيري في كتابه تفكيك ظاهرة الإرهاب وتسليط الضوء على تجربة المملكة في محاربة هذه الظاهرة وإبراز الدروس السعودية المستخلصة التي بإمكان الدول الأخرى وعلى وجه الخصوص الإسلامية الاستفادة منها في تصديها لهذه الظاهرة التي أصبحت تقض مضاجع معظم دول العالم. كما يحاول الكتاب الرد على عدد من الأسئلة المثارة التي لها علاقة بالإرهاب مثل: هل الدين وسيلة أم غاية في الموجة الحالية من الإرهاب، وماذا يجب على المجتمع الدولي القيام به للسيطرة على الإرهاب على المدى القصير والتخلص من هذه الظاهرة على المدى الطويل.
يحدد السفير عسيري بداية استخدام كلمة «إرهاب» ويقول: إنها تعود إلى نهاية القرن الثامن عشر خلال الثورة الفرنسية، وقد تم اشتقاق مصطلح الإرهاب من فترة حكم ماكسيميلين روبسبيري التي عرفت باسم «حكم الرعب». ويعرض المؤلف لبعض تعريفات مصطلح الإرهاب عند الغرب في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا ويقول: إن وزارة الدفاع الأمريكية تعرف الإرهاب على أنه «استخدام العنف أو التهديد باستخدامه لبث الخوف أو لإرهاب الحكومات أو المجتمعات في السعي نحو تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيدلوجية». ويشير المؤلف إلى أن تعريف مصطلح الإرهاب الذي صاغته الحكومات الغربية أو الجهات الأكاديمية لم يلق حتى الآن إجماعاً دوليا.
حول فكرة الكتاب يقول المؤلف: إنها جاءته بعد مشاهدة اندلاع موجات العنف في باكستان على وجه الخصوص وفي بقية العالم بوجه عام. ويستعرض السفير عسيري تاريخ الإرهاب منذ بداياته الأولى على أيدي جماعة من اليهود وصولا إلى ما يطلق عليهم بـ(الحشاشين) assasins أو القتلة وكلتا الجماعتين كانتا تمارسان تصفيات جسدية لخصومهما علنا، ويسلط الكتاب الضوء على الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة والكوكلوكس كلان والتصفيات العرقية في بدايات تشكيل الولايات المتحدة و(الابارتهيد) في جنوب إفريقيا سابقا. ويقسم السفير عسيري دوافع الإرهاب إلى اقتصادية وسياسية ونفسية، ويشير إلى أن إسرائيل تمثل إرهاب الدولة في ممارساتها العنصرية ضد الفلسطينيين.
ويوجه الكاتب هجوماً لاذعا إلى ما تقوم به القاعدة ووصفها بأنها نماذج للإرهاب الصرف وشجب ما قامت به من جريمة 11 سبتمبر النكراء التي كانت السبب المباشر في اندلاع ما يسمى الحرب على الإرهاب وما أدت إليه من تشويه لصورة الإسلام الحقيقية، في وسائل الإعلام الغربية، القائمة على المحبة، كما أدت تلك الجريمة إلى إيجاد مبررات لغزو الغرب لأفغانستان والعراق.
ويؤكد مؤلف الكتاب أن موقف الإسلام المتسامح يرفض العنف ويحدد أن استخدام القوة يكون للدفاع عن النفس ودرء الأذى عن الأوطان عند تعرضها للغزو. ويحاول السفير عسيري توضيح الالتباس الحاصل بين ما يحدث من عمليات إرهابية وربطها بالجهاز ويقول: إن الجهاد الأكبر في الإسلام يعني جهدا روحيا قويا للانتصار على النفس الأنانية وعلى اللسان بحيث يمنح العظة الحسنة والتعاليم النابعة من قيم سامية وبالتالي يحق الجهاد فقط ضد أعداء الله والمعتدين على حرية الأوطان والمرتدين والانفصاليين والجماعات المهددة للأمن العام وسلامة الناس.
وينوه المؤلف بجهود المملكة في محاربة الإرهاب والخطوات التي اتخذتها للتصدي لهذه الظاهرة يقول: إن تلك الجهود ارتكزت بشكل أو بآخر على وسائل الإعلام مشيراً إلى أن الإعلام والثقافة يلعبان دورا محوريا في نشر الإسلام السليم ودحض الصورة المشوهة التي يروجها أعداؤه باستخدام الأعمال الإرهابية كأدلة باطلة ضد الدين المتسامح.
في نهاية كتابه، يخلص السفير عواض عسيري إلى أن القوة وحدها لن تجدي للتصدي لمكافحة الإرهاب ويطالب بإعادة النظر في منهجية مكافحة الإرهاب المتبعة في بعض الدول قائلاً: إن الحرب ليست بالسلاح والقوة فقط بل أيضا بالتنمية والتوعية.
يقع كتاب (محاربة الإرهاب) الجدير بالقراءة في ثمانية فصول، يتناول الفصلان الأول والثاني الإرهاب نظريا وعمليا. وفي الفصل الثالث يقدم الكتاب منظورا إسلاميا للإرهاب، وفي الفصل الرابع يسلط الكتاب الضوء على جذور ظاهرة الإرهاب. أما الفصلان الخامس والسادس فيركزان على الاستراتيجية السعودية في التصدي لظاهرة الإرهاب مع التركيز على البعد المحلي في مكافحة هذه الظاهرة والمبادرات الدولية التي قامت بها المملكة في هذا المجال مثل مؤتمرات حوار الأديان التي عقدت في كل من مكة ومدريد ونيويورك. وفي الفصل السابع يقدم المؤلف أمثلة على ما قامت به بعض الدول لمحاكاة الاستراتيجية السعودية في محاربة الإرهاب.. وفي الفصل الثامن والأخير بعنوان: خلاصة، إعادة التفكير في محاربة الإرهاب يستعرض فيه المؤلف الاستراتيجية العالمية ضد مكافحة الإرهاب بهدف الوصول إلى عالم خال من الإرهاب.