إطلاق صناديق المؤشرات يأتي ضمن التخطيط البعيد لمستقبل السوق المالي لتحسين أدائه، وهي خطوة جيدة من أجل رفع كفاءة السوق.. ومن المنصف القول إنها تحتاج لسنوات حتى يظهر أثرها الحقيقي على تعاملات السوق.. كما خططت له هيئة السوق المالية.. وإذا كان الحديث عن مزاياها الإيجابية قد أشبعته وسائل الإعلام طرحا فإن تقييم المرحلة التي أعقبت الإدراج هو ما يفرض نفسه اليوم لتقييم التجربة والوقوف على أخطاء شابت مراحل عمره الأولى.
فاليوم الأول لإدراجه شهد تداولات عالية فاقت التوقعات وبلغت أكثر من 270 مليون ريال مما أعطى انطباعاً بأن هناك فهماً وافياً لهذا المنتج غير أن الأيام التي أعقبته شهدت تراجعاً كبيراً بالتداولات لتنكشف معها حقيقة جهل الغالبية من المتعاملين بطبيعة التداولات التي تحكم آلية حركة هذه الصناديق.. وإذا ما سبرنا المرحلة التي سبقت الإدراج لأول صندوق فنجد أنها لم تعط حقها من ناحية طريقة نشر المعلومات بما يكفل تعريف المتعاملين بكافة الجوانب التي تحيط تداولاته.. بينما تمَّ الاكتفاء بنشر المعلومات التي تعكس إيجابية مثل هذه المنتجات.. وكذلك التعريف بالصندوق الجديد بينما كانت المعلومات عن آلية التعامل مقتضبة وغير واضحة.. فقد اعتقد الكثيرون بأن النسبة مفتوحة للتداول باليوم الأول، وذلك بحسب ما اعتاد المتعاملون عليه عند أي إدراج جديد.. وهذا ما صرح به أحد مسئولي تداول والغريب في الأمر أن الإعلان الذي صدر عن تداول حول انطلاقة الصندوق الأول بالسوق لم يتضمن أي اشارة بأن التداول على الصندوق لن تنطبق عليه آلية التعاملات على الأسهم الحديثة الإدراج وهي النسبة المفتوحة لليوم الأول.
وتبرز النقطة الثانية بأن إعلان تداول تضمن إدراج الصندوق بقطاع يُسمى صناديق المؤشرات ليكون السادس عشر والذي لم نره إلى الآن وكأنه قطاع خفي.. وحديثنا عن بعض هذه النقاط فهو لكي يتم تداركها بالمستقبل لكن الدخول في تفاصيل تعاملات اليوم الأول وكذلك طريقة اعتماد صانع الصندوق أيضا تثير الاستغراب ويتفق الكثيرون بأن الصانع يجب أن يكون شخصية مستقلة وبعيدة عن الصندوق حتى لا تحكم المصالح آلية التعامل في مثل الترتيب الحالي الذي يتيح للجهة التي تملك الصندوق أن تكون أيضا صانعة له.
غير أن التعاملات باليوم الأول أبرزت مسألة مهمة وهي حجم الصندوق نفسه الذي أطلق بخمسين مليون ريال فقط ففي أول التداولات وصل سعر الوحدة للحد الأعلى المسموح به وهو 10 بالمائة وباعتبار أن عدد الوحدات للصندوق كله تصل إلى 2.5 مليون فإن أي محفظة كبيرة كان بإمكانها أن تسحب كل الوحدات التي بحوزة الصانع وكذلك التي تم بيعها باليوم الأول على النسبة مما يعني أن الصانع سينقلب دوره سلباً ويحتاج للشراء مجدداً لكي يستطيع ممارسة دوره.. وهذا ما قد يكبده خسائر بخلاف انتقال القوة ليد أخرى غير معلومة كون آلية العمل لا تتطلب الكشف عن كبار الملاّك بالصندوق.
إن ما يجب التأكيد عليه أن فكرة صناديق المؤشرات ستشكل مرحلة إيجابية للسوق السعودي خصوصاً بعد دخول العشرات منها ولكن من المفترض أن تبدأ برؤوس أموال كبيرة لا تقل عن خمسمائة مليون ريال كي لا تتكرر الأخطاء التي حدثت بتقدير رؤوس أموال شركات التأمين والتي تطلب الأمر إعادة النظر بها وتقدمت العديد منها بطلبات لرفع رأسمالها.. وكان انعكاس ذلك سلبياً ليس فقط على قدرتها التشغيلية.. بل على السوق المالي من حيث ارتفاع حجم المضاربات نتيجة محدودية الأسهم المتاحة للتداول.. كما أن أي رؤوس أموال أجنبية لن تستطيع التحرك داخل السوق إلا من خلال صناديق ذات حجم كبير وإلا فإن الانعكاس الإيجابي سيبقى بسيطاً جداً.