ما زلت أذكر تصريحاً جريئاً نُشر لوزير التربية والتعليم - السابق - الدكتور: عبد الله العبيد، حينما أكَّد على أن: «النماذج التقليدية لم تعد قادرة على الوفاء بمتطلبات التعليم، وعلى المعلم الابتعاد عن دور الملقن»..................
....إن من المعضلات الكبيرة التي يعاني منها التعليم في بلادنا، معضلة التلقين، وتعويد الطالب على الحفظ والترديد، وحصره في زاوية ضيقة. فالتلقين هو طريقة يستجيب لها الطالب عن طريق الحفظ دون أن يستوعب المادة العلمية، وبغض النظر عن فهمه وإدراكه. فهي طريقة مجردة تمنع حدوث التفاعل والتغيير. كما تمنع تقييم مواهب الطلاب وقدراتهم، وبالتالي لن نصاب - حينئذ - بالدهشة من ضعف المستوى العام للطلاب.
إن جعل التعليم تلقيناً فقط محبط للطالب، ولا يتلاءم مع معطيات روح العصر ومتطلبات المرحلة التي نعيشها، لأنها تساهم في جمود عملية البحث والتفكير، وعدم القدرة على الإبداع والابتكار، وتحصر الطالب في زاوية ضيّقة، فليس ثمة طريق للإبداع وسط التلقين، فهي وسيلة للقمع تخرّج أجيالاً مقلدة لا مبدعة، شربت ثقافة التخشيب.
وإذا كان ما سبق يمثّل مشكلة ظاهرة في التعليم، فهل يستطيع المعلم الاستجابة لهذه الاحتياجات؟. يقول - الدكتور - عبد القادر الفنتوخ: «الأستاذ في الغالب مقيد بأربعة عوامل رئيسة، أولها: عدد الطلاب في الفصل الواحد، فكثرت هؤلاء تحد من إمكانات التواصل والحوار.
وثانيها: المنهج المقرر، والحقيقة هنا: أن المشكلة ليست في المنهج فقط، بل بما جرى الاعتياد على تقديمه من تفاصيل يطلب تلقينها ضمن المنهج، حيث تأخذ هذه التفاصيل وقتاً طويلاً يستهلك زمن الحصص الدراسية، ولا تبقي للمشاركة وقتاً يذكر.
وثالثها: عدم توفر الوسائل التعليمية الجديدة والمتجددة على نطاق واسع.
أما رابعها: فعدم اعتياد الأستاذ ذاته على ثقافة الحوار والمناقشة عبر حياته كطالب، أو بعد ذلك كأستاذ.
وقد أثبتت الأبحاث التربوية والدراسات الحديثة، أن ما يتبقى من معرفة ناتجة عن التلقين بعد مرور عام عليها (10%) فقط، أما التعلم بواسطة الزملاء فيبقى منه (30%)، والتعلّم الذاتي يبقى (50%) من المعرفة بعد عام.
أعتقد أن مهمة التعليم تتطلب النهوض على فكرة النقد والإبداع، وتنمية مهارة البحث عن المعلومة وتوظيفها بالشكل الصحيح، من خلال استخدام تكنولوجيا الاتصالات والإنترنت. كما أن إبعاد شبح التلقين يكون بتشجيع ودعم البحوث والدراسات في مجال البحث والتفكير، والقدرة على الإبداع والابتكار. واعتماد لغة الحوار وفق النظريات الحديثة، من أجل خلق بيئة تعليمية عنوانها الدافعية نحو الإنتاج. وهنا يكون التعليم مؤهلاً لنهضة عامة تبدأ من التعليم العام، وتنتهي بتعليم متخصص يتناسب مع قدرات الطلاب وميولهم، وإكسابهم مهارات فاعلة عن طريق الممارسة والتجربة.
drsasq@gmail.com