لا بدّ وأنكم قرأتم عن مطالبة الدكتور يوسف الأحمد بإعادة تصميم منطقة الطواف المحيطة بالكعبة المشرفة، بحيث تحتوي على طوابق متعددة، ويُخصص جزء من هذه الطوابق للرجال، وجزء للنساء، فقد تحدثت عنها أغلب القنوات الفضائية، كما تناولها كثير من العلماء داخل المملكة وخارجها، وكذلك الزملاء الكتاب، وبيّنوا انحرافها، وشططها عن المنهج السوي والقويم.
جريدة (سبق) الإلكترونية، نشرت رأياً لا يختلف كثيراً عن مطالبة الأحمد. هذا الرأي للشيخ صالح بن سعد اللحيدان المستشار القضائي في وزارة العدل، وعضو اتحاد المؤرخين العرب، وعضو الجمعية العالمية للطب النفسي، كما جاء التعريف به في الجريدة، حاول فيه أن يُحقق الهدف (الأحمدي) بأقل التكاليف -جزاه الله خيراً- فاستبدل البناء متعدد الطوابق، باقتراح أن يُخصص أجزاء من اليوم والليلة لطواف الرجال (فقط)، وأجزاء أخرى من اليوم والليلة لطواف النساء (فقط). ثم تنبه إلى (أن المسلمين القادمين من الخارج يرافقهم محارمهم، وهذا أمر يحتاج إلى التوعية والموعظة وبيان الأدلة والتحليل والتحريم). فأضاف: (لكن مع هذا أنا أرى (التفريق) في مثل هذه المسائل خاصة الطواف, وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمكن أن تقوم بدور فعّال، وكذلك المراقبون، بمنع (الاختلاط) وملاحظة التزاحم من أجل فك هذه المعضلة)؛ كذا!.. معنى ذلك أن هناك معضلة (عويصة) تبحث عن حل، بقي الإسلام 15 قرناً من الزمن لم يُعالجها، وعجز عن حلها علماء السلف، حتى قيّض الله لهذه الأمة هذين الشيخين فأتيا بما لم يأتِ به الأوائل..!
لا غرابة أبداً أن نسمع مثل هذه المطالبات العجيبة الغريبة بين الحين والآخر، فالعجائبيون، وأصحاب الطرائف، لا يخلو منهم زمان ولا مكان، غير أن ما يحز في النفس ألا يتصدى لمثل هذين الرجلين من يلجمهُما، ويقف في وجه من يشكك الناس بسلامة ونقاء شعيرتي الطواف والسعي اللتين كانتا في الماضي ومازالتا حتى الآن، يشارك فيهما الرجال والنساء معاً، فما الذي تغيّر؟.
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (خذوا عني مناسككم)، ولم يروَ عنه عليه الصلاة والسلام، أو عن أي أحد من خلفائه، ولا عن عالم من علماء المسلمين، على مختلف طوائفهم ومذاهبهم، أنه (شرّع) عزل الرجال عن النساء في الطواف أو السعي، الأمر الذي يطرح السؤال: لماذا أصبح بعض طلبة العلم، يتبارون في التشديد، وتلمس مواطن التعسير، والبحث عن الفتاوى المثيرة للجدل، حتى وصل الأمر إلى (ابتداع) شروط جديدة في العبادات لم يعرفها الدين في كل تاريخ الإسلام، مع أن الابتداع في الدين، وإضافة شروط جديدة إلى مثل هذه المسائل التعبدية هي (بدعة) عند السلفيين كما هو معروف؛ ومثل هذا الفصل حسب المعيار السلفي بدعة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى؛ فكيف ضربوا عرض الحائط بمعاييرهم، ليصبح الابتداع في العبادات من المندوبات، وكان في السابق من الممنوعات؟.. هذا بصراحة ما عجزت، وعجز غيري، عن فهمه، رغم أنني على ثقة أنهم سيجدون مخرجاً هنا أو هناك، ينفذون من خلاله إلى (تشريع) هذه البدعة المحدثة، مثل أن تلوى أعناق الأدلة، وتغالط، وتفرض ما تقول؛ ليصبح قولهم (الحق) الذي لا يُجادل فيه إلا منحرف كما هو لسان حالهم عندما يُكابرون.
إلى اللقاء،،،،