Al Jazirah NewsPaper Friday  15/01/2010 G Issue 13623
الجمعة 29 محرم 1431   العدد  13623
 
لماذا يلتزم الشباب بالقواعد والنظم خارج الوطن وفي الداخل العكس؟
مندل عبدالله القباع

 

استرعت ظاهرة عدم التزام بعض الشباب بالقواعد والنظم المدرسية أو المرورية أو العلاقية الكثير من المواطنين أو الزائرين فقد استرعت انتباههم وتفكيرهم، وأصبح عدم الالتزام خاصية أساسية تتميز بها ظواهر الحياة والوجود في الشارع السعودي ويلاحظها كل إنسان الآن في الرواح والغدو، وليس فقط البيئة المحدودة المحيطة به بل تمتد في المجال الاجتماعي برمته بعكس ذلك في خارج الوطن وأقرب مثل على هذا عندما يسافر الشباب إلى الخارج تجدهم يلتزمون التزاما كاملا بكل الأنظمة بما في ذلك أنظمة المرور والشاهد على ذلك دول الخليج المجاورة لنا. وإن هنا لا نلجأ في الإشارة إلى هذا السلوك اللاسوي إلى التعميم.

لقد شغل هذا الأمر بال الكثيرين من أهل الفكر والتربية والاجتماع والإعلام والأمن فضلاً عن رجال الدين وعلماء النفس، وفي علاقة الناس بعضهم ببعض، وقامت العلوم خاصة بمحاولة تفسير هذه الظاهرة (عدم الالتزام) لتفسير هذه الظاهرة غير المرغوب فيها من السلوك.والواقع أن التفسير العلمي لسلوك الشباب اللاملتزم والمتغير تابع التغير الحادث في المجال الاجتماعي يعتبر حدثا نسبيا إذا قورنت بتفسير ما هو حادث في المجالات الأخرى. ولكن ليس معنى هذا أن نرجئ التفسير لحال الشباب في المجال الاجتماعي لإتاحة الفرصة لتفسير ما هو حادث في المجالات الأخرى مثل التغيرات التي لحقت بالمجال الاقتصادي وغيره فحقاً قد استرعى التغير الاجتماعي ومصاحباته من مسلكيات تدخل في دائرة اللاسواء السلوكي.

وقبل أن نستطرد في تفسير حال الشباب اليوم نود أن نوضح أن مظهر السلوك الاجتماعي هو مجموع قيم وعادات واتجاهات وتقاليد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام التربوي والتعليمي وبنوع وحجم وشدة البرامج الاجتماعية التأهيلية وما يترتب عليها من علاقات اجتماعية مختلفة.

والواقع أن القيم والعادات السلوكية هي ثمرة تربية أجيال تربوية (محافظة) أدت إلى ممارسات سلوكية معينة نمت في ظل علاقات اجتماعية معينة تعلمها هذا الجيل من الشباب وجيل آبائه وأجداده منذ الطفولة الباكرة.

ويجدر بنا القول هنا إن للعولمة معادلة مؤداها أن التغير في التركيب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي يؤدي إلى تغيير مقابل في المظهر السلوكي للمجتمع (المعولم)، أي فعلاً وواقعاً يشمل التغير بآلياته وأدواته والتماهي بنموذجه السلوكي، غير وما من شك في قيم الناس وعاداتهم وتطلعاتهم ومطامعهم، واتجاهاتهم وآمالهم واتجاهاتهم نحو الآخر (المهيمن).

فإذا كان الهدف النهائي للمجتمع في طريق نحو النمو والتطور هو بلوغ التقدم العلمي والتقني والتوافق النفسي والاجتماعي، فإن التغير المصاحب هي العلامة التي توضح لنا على أي مسافة نحن في طريق التطور والتقدم والنمو. في الوقت نفسه نستطيع أن نتبين من شكل هذا التغير واتجاهه ومدى كفاءته في بلوغ الهدف المراد، والذي نسعى إليه. وكذلك نستطيع أن نرصد -من خلال مسلكيات الشباب- قوى البناء لا الهدم، مدى التأهيل والإعداد لتحمل أعباء التنمية المستدامة بأحسن الوسائل التي يمكن الاستفادة منها لكي نسرع في طريقنا للتقدم لتكون على مسافة قريبة من تلك الدول التي سبقتنا في هذا المضمار.

وإزاء هذا الواقع الذي نعبر عنه بإرادة التغير لبلوغ التقدم نجد تهاونا بين مساحة كبيرة من الشباب غير الملتزم مما نستشعر بالقلق المتعلق بأبنائنا من جانب، والمتعلق بمستقبل المجتمع من جانب آخر، والتشكك نحو قدرة النظام التعليمي على التعامل مع القيم المستحدثة وظواهر اللاسواء السلوكي المصاحب للتغير والحراك الاجتماعي الصاعد.

والاضطراب من التغير الحادث في اتجاه الآباء نحو نوع التعليم أو المهن التي يرغبونها لأبنائهم كنتيجة للتغير الاجتماعي الراكض عالمياً ومحلياً وأثر هذا في حجم الاهتمام بالمستقبل هو في التصدي لظواهر اللاسواء في السلوك الاجتماعي، والإجراءات العلمية للمواجهة.وكون أني مهموم بمشكلات الشباب منذ 38 عاماً حيث عملت أخصائيا اجتماعيا بدار الملاحظة الاجتماعي الخاصة برعاية الأحداث المنحرفين ثم مديراً لها بين فترة وأخرى ثم مديراً لدار التوجيه الاجتماعي الخاصة برعاية الأحداث المعرضين للانحراف، يمكنني أن أكد أن السلوك الإنساني سلوك غرضي ومعقد غاية التعقيد، وتفسير موقف واحد للعديد من الاحتمالات وحتى هذه الاحتمالات فتراها متداخلة ومركبة، المهم أن أية مشكلة من مشكلات الشباب ثمة أسباب وراءها، فإذا ما عرفت هذه الأسباب وتم معالجتها حينئذ يمكننا القول إن المشكلة انتهت ولم يعد لها وجود.

إذاً لتفهم أية مشكلة يتوجب نفهم العلاقة السببية. ولقد وقفنا على مجموعة من الأسباب لانفلات الشباب قدمها الأستاذ الدكتور/ إبراهيم الحازمي أستاذ التربية الإسلامية وعلومها عند مناقشة قضية الأسبوع بمجلة اليمامة عدد (2077) في 21-10-1430هـ ونحن نتفق معه لكننا نضيف أنه على الرغم من أن السببية نسبية فالشباب الذي يقطع إشارة المرور والأخرى التي تليها وكذلك الوقوف أو تجاوز الرصيف بكامله قد يكون سلوكا اعتياديا متكررا نتيجة أساليب في التنشئة الوالدية خاطئة. وقد يكون سلوكا تعويضيا ناتجا عن اضطراب نفسي، وقد يكون سلوكا (مرضيا) وقد يكون سلوكا من سوء الأدب وأمن العقوبة، وتكرار السلوك يسقط حساب المصادقة أو العرض الظاهر.

وفيما يتعلق بالإجراءات العلمية للمواجهة فأتفق أيضا مع أ.د/ الحازمي. وأضيف في هذا الصدد أن يقوم مركز البحوث ومكافحة الجريمة ومراكز البحوث في الجامعات وجامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية بدراسة هذا السلوك الذي أصبح ظاهرة تستحق الدراسة بحيث يكون من مهام هذه الدراسة تقديم المعونة النفسية وتعديل الاتجاهات والسلوك والقيام بعملية الاستبصار، وعملية التقويم.. وهذه الدراسة جميعها ترتكز على ثقافة المجتمع وقيمه الاجتماعية وعلى واقع المجتمع وتطلعاته ومعانيه الإنسانية.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد