استمد الحكم في إيران شرعيته طوال ثلاثين عاماً من عباءة ولاية الفقيه، التي كانت تعطي أركان الحكم هناك تنفذاً وقوة دينية وسلطة روحية، تجعلها لا تكتفي بالهيمنة على الحكم في إيران فقط بل تسعى طوال الوقت إلى تصدير الثورة إلى ما حولها.
ولكن جدلية التاريخ وحركته دائماً تتقدم إلى الأمام بصورة مطردة وليس هناك من حيز في العصر الحديث وعالم أصبحت القيم الإنسانية فوق الملكوت الأرضي هي الشرعية الوحيدة التي من الممكن أن تدعم ركائز الدولة وتمتن بنيانها.
والسلطة الثيوقراطية التي كانت توفر غطاء شرعياً للتسلط والاستبداد تحت ستار القداسة وخلافة الله في الأرض بشكل مستبد وقامع لجميع التيارات المختلفة لم تعد قادرة على الاستجابة لشروط العصر وطبيعته، وبالتالي سرعان ما تدخل في سلسلة من الإشكاليات مع محيطها الإقليمي، إضافة إلى كثير من الاضطرابات مع شعبها الذي لم يعد يجد فيها مستقبله أو طموحه بحياة أفضل، الأمر الذي يفقدها تماسكها وقوتها وقابليتها على الاستمرار. بعد خطبة المرشد الأعظم خامنئي الأسبوع الماضي التي أهدر فيها دم شعبه، وجعل الشارع الإيراني يخرج إلى الشوارع هادرا ومنددا بالديكتاتور، صرح الرئيس الإيراني السابق (خاتمي) (بأن ولاية الفقيه هي مجرد نظرية فقهية غير ملزمة)!
وهذا التصريح من شخصية بحجم خاتمي تقبع في قلب مؤسسة الحكم في إيران هي ثورة على القداسة التي لا يأتيها الباطل أبدا من بين يديها ولا من خلفها، ليفتح بوابة وحيزا كبيرا لملامح الدولة المدنية الدستورية الحديثة القائمة على التعددية والمؤسسات الأهلية حيث هي الشكل الوحيد والشرعية التي من الممكن أن يعطي أي دولة في العالم القابلية على الديمومة والاستمرار في عصرنا الحديث. قبل ثلاثين عاماً عندما قررت الثورة الإيرانية ارتداء العمامة، وإقصاء الكثير من التيارات والحركات السياسية الليبرالية النشطة والفاعلة في إيران آنذاك، ورفضت إدراجها في هيكلية حكم تعددي يتيح مساحة لجميع الأصوات، إنما كانت تدخل إيران في نفق ظلامي طويل أفضى بها إلى توتر دائم ليس في علاقاتها مع محيطها الإقليمي فقط بل العالم بأسره، حيث كان من أبرز مظاهر هذا التوتر هو المقاطعة الاقتصادية القاسية وعجز الحكم في طهران عن تلبية متطلبات شعب عريق وصاحب تاريخ وثقافة على المستوى الحضاري والتنموي.
قد لا يكون في حقيبة الإصلاحيين في إيران الحلول كلها، ولا سيما أنهم خارجون من عباءة الثورة، ولكن موسوي وجماعته باتوا مثل طوق النجاة الذي يتعلق به شعب منهك وغاضب ويعاني جزء كبير منه من البطالة ومشاكل اجتماعية لا متناهية.. ويحلم بعيش كريم تتوافر له فيه أولويات الكرامة الإنسانية.