Al Jazirah NewsPaper Saturday  16/05/2009 G Issue 13379
السبت 21 جمادى الأول 1430   العدد  13379
عوداً.. إلى موضوع المؤسسات العامة للإعلام
د. علي بن شويل القرني

 

الزميل الدكتور حمزة بيت المال الأستاذ بقسم الإعلام بجامعة الملك سعود قيم في تصريحه لصحيفة الجزيرة الخميس الماضي مبدأ تحول الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء السعودية إلى مؤسسات عامة،

بحسب قرارات المقام السامي قبل عدة سنوات. وذكر أن التحول لمؤسسات عامة قد عفى عليه الزمن، ولم تعد الصيغة الإدارية التي تنشدها المؤسسات الإعلامية. وليسمح لي الدكتور حمزة أن اتفق واختلف معه في هذا الموضوع الهام، الذي اشكره على طرحه بهذه الطريقة المباشرة في التداول والنقاش.

وبكل صراحة لقد كتبت مقالات كثيرة في هذا الموضوع منذ صدور قرارات التحويل من المقام السامي، ومروراً بتعيين وزراء ثقافة وإعلام، أو التجديد لهم، وخلال مناقشات مجلس الشورى لهذا الموضوع.. وهو من الموضوعات التي تعبت فكرياً في طرحها، وأشعر انني وصلت إلى درجة اليأس، من امكانية تغير أي شيء في هذا الموضوع. وقد جاء آخر هذه المقالات في اليوم الأول لمباشرة معالي الدكتور الخوجه عمله وزيراً للثقافة والإعلام. ولكن كما يقال (لا يأس مع الحياة).

نحن أمام خيارين، أحدهما أو كلاهما مر، ومر بدرجات متفاوتة.. إما أن تظل مؤسساتنا الإعلامية على ما هي عليه، أو أن نتحول تدرجيا إلى صيغة جديدة في إدارة مؤسساتنا الإعلامية، ليست بالصيغة المثلى التي ننشدها، ولكنها على ألأقل حركة في الاتجاه الصحيح. وأخشى ما اخشاه أن تبرز الحجة التي يطرحها الدكتور حمزة بيت المال لتكون تبريرا على وأد مشروع التحول نحو نظام المؤسسات العامة. ويحال الموضوع من جديد إلى مجلس الشورى، وننتظر ربما سنوات حتى يخرج مقترح جديد، وسنوات حتى تدرس دوائر الاختصاص بالدولة، وسنوات أخرى حتى يمكن أن يطرح الموضوع في الميدان. وهكذا نظل نراوح لسنوات عديدة، بدون نتائج ايجابية.

ونحن نعلم ان داخل وزارة الثقافة والإعلام قوى ستجد من الحجة التي يطرحها الزميل حمزة بيت المال سببا في عرقة أي توجه ايجابي لدى معالي الوزير الحالي، ونحن نعلم أنه حريص على مثل هذه الخطوة..

ولهذا، فإننا نرحب بفرص تحول مؤسساتنا الإعلامية الرسمية إلى مؤسسات عامة، فهذه لن تكون خطوة سهلة، بل ستكون نقلة نوعية في إدارة مؤسساتنا الإعلامية. ولن ادخل في تفاصيل سبق أن كررتها في مقالات سابقة، بل سأقتصر على نقطتين تبين أهمية مثل هذه الخطوة التاريخية:

1- التحول الي مؤسسات عامة، يعني بالضرورة رفع مظلة الرسمية عن أجهزة إعلامنا الرسمية. وتصبح الإذاعة والتلفزيون ووكالة ألأنباء السعودية مؤسسات مستقلة، تدير ذاتها بذاتها، ولا تنضوي تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام، إلا من خلال توجيهها سياسة إعلامية عامة، أو وضع استراتيجية وطنية على مدى طويل. وتصبح هذه المؤسسات مثلها - وهذا على سبيل المثال فقط ومع فارق التشبيه - مثل الأندية الأدبية، فهي تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام، ولكنها تدير ذاتها بذاتها. وفي حالة وجود شكوى أو إساءة معينة فنحن نتجه إلى رئيس النادي، فهو المسؤول مسؤولية إدارية عن ما يلقى ويبث ويناقش في هذا النادي. فمدير عام مؤسسة الإذاعة والتلفزيون السعودية، سيكون هو المسئول عما يبث في هذه الوسائل. ولن يطال وزير الثقافة والإعلام لوم او عتب على ما يبث عبر قنوات هذه المؤسسة. ناهيك عن نقد المؤسسة السياسية في المجتمع، فلن ينظر على ان ما تبثه وسائل الإعلام هو رأي رسمي للدولة، بل سيكون اجتهادات من أصحابها، ومن القائمين على هذه الأجهزة. ومثال آخر، لو نشر خبر او مقال في صحيفة سعودية، فإن رئيس التحرير هو المسؤول مسؤولة سياسية وإدارية مع الكاتب عما نشر. ولن نصل إلى درجة ان نحمل وزير الثقافة والإعلام أو أي شخصية أخرى في الدولة مسؤولية مقال في صحيفة الجزيرة أو الرياض أو الوطن أو غيرها من الصحف. ونعرف جميعا، أن عبء الرسمية في أجهزتنا الحالية هو الذي يعيق مبدأ المبادرات الإعلامية الناجحة، خوفا من تفسيرات واحتمالات غير واردة أساسا في ذهن المؤسسة السياسية.

2- التحول إلى مؤسسات عامة بصلاحيات إدارية كبيرة وبوجود مجلس إدارة، سيجعل من هذه المؤسسات تعمل بطريقة مهنية، افضل مما هو حاصل في الوضع الراهن. وصيغة المؤسسة العامة افضل بكثير من الصيغة الحالية، وهي بلا شك أقل بكثير من صيغة الشركة أو المؤسسة الخاصة. ولكن نحن نعلم أن الصيغة التجارية لإعلامنا، لن تأتي بسهولة، وتحتاج إلى إرادة سياسية كبيرة، ولا اعتقد ان القائمين على الإعلام في بلادنا لديهم الجرأة في أن يطرحوا مثل هذا التوجه أمام ولي الأمر بتوضيحات مبنية على مصالح وطنية عليا تخدم الدولة والمجتمع. وقد أخفق بعض القائمين على الإعلام فيما مضى في بلورة فكرة التطوير النوعي لوسائل إعلامنا. ولن يقف ولي الأمر أمام أي فكرة نوعية من شأنها أن ترتقي بوسائل إعلامنا إلى الأفضل. وعلى سبيل المثال، فعندما عرض موضوع التحول إلى مؤسسات عامة، وافق ولي الأمر عليها بدون تحفظ، ولكن للأسف عرقل مشروع التحول قائمون من داخل الوزارة المعنية.

وأخيرا، فما نحتاجه لتطوير وسائل إعلامنا، هو بالحد الأدنى التحول إلى مؤسسات عامة كما سبق أن صدر من توجيهات، وفي ظني أن مثل هذه النقلة ستؤدي إلى تطوير مهم في عمل ونشاطات الأجهزة الإعلامية في بلادنا. وأكرر فإن تحويل مسار هذا التحول إلى مسارات أخرى من شأنه أن يعرقل هذا المشروع، ونعود إلى المربع رقم واحد. وهذا ما أخشاه في المرحلة الحالية.

* المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود


alkarni@ksu.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد