تأتي إلى مراجعة أي موظف في القطاع العام، ستجد وجوهاً مكفهرة تنظر بشزر، ولا تقيم وزناً ولا قيمة للمراجع المضطر لمقابلة الوجوه العابسة، ولذلك اشتهر لدينا عبارة لا زالت محفورة على الألسن وهي (تعرف أحد في...).

أما إذا انعدمت (تعرف أحد) فسوف تتحول إلى مستجد ومتملق.

أمام موظف جاء به الزمن لكي تراه أمامك جالساً على كرسي وثير ليس أهلاً له.

افتتحت الأحوال المدنية مقراً جديداً في شمال الرياض، بحي العلياء، وهو فرع مرتب جداً، لكن عند البوابة يجلس رجل حراسة يوحي لك بالشيء السائد في القطاع العام من النظرة للمراجع على أنه مستجد لشيء ليس له، وإذا ما تجاوزته فسوف تجد عالماً آخر غير الصدمة الأولى من رجل الحراسة، وهي صدمة وشيء تعودنا عليه في القطاع العام.

في استقبال تجديد البطاقة الشخصية يجلس شاب مملوء الجسم والعقل، يبتسم في وجه المراجع، رأيته، استغربت كثيراً، هل أنا أحلم أم أن واقع القطاع العام تغير مع العولمة، وهل جاءت أخلاقيات التعامل الراقية بهذه السرعة؟!

شيء لم نعهده في قطاعنا العام العزيز، والشيء الآخر أني لم أر أصحاب العباءات المزركشة، لأن لا ضرورة لارتدائها هنا، فالكل متساوون ومحترمون ومنظمون، فلا داعي لأن تزور الحقيقة بعباءة تخدمك عند موظفي القطاع العام.

خلال نصف ساعة أنهيت إجراءات تجديد بطاقة الأحوال المدنية، ولعل الشيء الجميل أن أرقاماً توزع على كل من يأتي، ثم يجلس، ولا يمكن أن يأتي أحد من غرفة المدير أو الموظف ويدخل دون أن يراه أحد!!

ظاهرة أخرى يعملون بها عياناً بياناً، وهي أن كبار السن يقدمون في الدخول، وهذا شيء لم ولن يعترض عليه الجالسون تقديراً لتقدم المراجع في السن وعدم قدرته على الانتظار، فعلاً حالة إنسانية ممتازة، ولا خير في قوم لا يوقر صغيرهم كبيرهم.

المراجعون لهذا الفرع قلة إذا ما قورنوا بالأحوال في حي المربع الذي يوحي لك بأن تهرب منه للشمال طلباً للتخفيف والمعاملة الحسنة، والسرعة في الإنجاز.

وجوه الشباب المبتسمة التي لا تسمع منها سوى الكلمات الجميلة مثل سم ولو سمحت إلخ من أخلاقيات التعامل الراقية التي تجبرك على احترام المقابل ولا تستجديه بخنوع.

فرع الشمال للأحوال المدنية بالعلياء فرع جديد، لم يعرفه الكثيرون الذين سوف يتحولون له لسمعته عند الناس، لكن، هل فكر المسؤولون فيه في كثرة المراجعين فيما بعد؟ وهل ستضيق الأنفاس في قبو الأحوال المدنية في الشمال عند كثرة المراجعين، وهل ستستمر أخلاقيات الرقي عند الموظفين كما هي الآن أم تتغير مع كثرة المراجعين لهم وانشغالهم بالورق والحاسب الآلي؟

لا ندري ولكن ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً.. فعسى أن يكون القادم جميلاً كالحالي..