يقال إنّ مزيداً من المعارك والحروب ستنشب حول الماء، ومجاري الأنهار، وحواف البحيرات، فقد تطول جعجعة طحنها وأذاها وتزكم الأنوف رائحة دماء ضحايها .. فقبلها رأينا رأي العين تلك الحروب التي قيل إنها نشبت من أجل السيطرة على موارد الذهب، ومهاد الفضة، والاستحواذ آنذاك على مغاور الفحم الحجري، ومن ثم محاولات الاستيلاء على حقول الغاز، وآبار النفط في كل مكان من الأرض.
أما وقد بات المحللون، والمتنبئون بوقوع هذا النوع من الحروب والمواجهات ينظرون إلى أنّ القادم منها سيكون على موارد المياه، فهذا أمر ربما يكون فيه نظر ورأي آخر، فرغم واقعية الصور، وفرضيات حدوثه، واحتمالات نشوبه إلا أن هذا الهلع قد لا يرقى إلى مستوى الحقيقة، لأنّ قضايا الماء وموارده قد سُيِّست بشكل لا يقبل الشك، فأي حرب حوله هو من قبيل افتعال المواقف، وتصفية الحسابات فحسب.
فالذين يرون الأمر على هذا النحو يتكئون على إحصائيات تؤكد أنّ الأرض لا خوف عليها من العطش، أو الظمأ، لأنها تختزن في جوفها، وقبل طبقات النفط بكثير كميات من المياه العذبة، فضلاً عن أن المحيطات تغمر أنهاراً عذبة تعبر القارات، ولم يحن الوقت بعد لاستخدامها، أو الاستفادة منها.
أما أمر المعارك المحتملة والمراد لها أن تحدث في وقت معين، وفي مكان معين بذريعة الصراع على الماء، فإنه لا يعدو كونه تهويشاً من الدول على بعضها البعض، كما تفعل إسرائيل هذه الأيام مع ما حولها، فهو لا يعدو كونه نزعة لبسط النفوذ، وتأزيم المواقف، والتهديد لدول حولها تسير إليها المياه بطريقة قد لا ترضي الصهاينة.
فالإرجاف والتخويف والوعيد بأن يعود الظمأ يواجهه في هذه الحالة ما هو أخطر منها ألا وهو الجوع، وقلّة الأمان الغذائي، فلماذا إذن تذهب الهواجس بعيداً في أمر الماء والخوف من العطش في وقت لا تتحرك من أجل إطعام الجياع رغم أنها قضية واضحة، في حين أن العطش لم يأت بعد ولم ير رأي العين؟!
الحروب المفترضة، أو ما قد نسميه الظمأ الممكن حول الماء، قد يكون صورة أزلية لأيام التطاحن ومحاولات بسط النفوذ والنزاعات بين الكيانات الريفية البسيطة على أمر السيادة على (الغدير) والماء في الشط، أما اليوم فقد تنهب أوطان بأكملها بذريعة تأمين الماء على الحدود، وهو مجرد ادعاء يراد به الهيمنة والاستحواذ على المنافذ والمداخل والمخارج إلى العالم.
Hrbda2000@hotmail.com