Al Jazirah NewsPaper Monday  24/11/2008 G Issue 13206
الأثنين 26 ذو القعدة 1429   العدد  13206
بعد الأزمة الاقتصادية.. وحقوق المرأة
الإسلام.. قابلية التطور والرؤية المستقبلية
إبراهيم المعطش

التشكيك في مقدرة المنهج الإسلامي على مواكبة تطورات الحياة ومسايرة مستجداتها، أصبح من الأمور التي لم تعد تنطلي على العقول .. ليس لأن الشواهد التي باتت تدحض هذا الافتراء أبرز وأوضح من أن يشار إليها، وحسب، بل أيضاً لأن الإسلام جاء يحمل خاصية الديمومة والتواكب والتنبؤ .. وجاء يحمل في مكونات مناهجه الاجتماعية والاقتصادية والقانونية سمة الصلاح لكل الأزمان، والتوافق مع مختلف التغيرات والتطورات .. ولو لم يكن كذلك لما أصبح خاتم الديانات .. ولما أصبح من يبتغي ديناً غيره لن يقبل منه.

فالإسلام متطور بطبيعة شمول مناهجه، وعناصر عدله وعموم اهتماماته وليس بتطوير أفكار المسلمين، بل كلما تطورت أفكار الناس، وارتقى فهمهم لهذا الدين، اكتشفوا فيه سمة كانت غائبة عن البعض منهم.

وكلما ادلهمت الخطوب، وأظلمت الطرقات وتعقّدت المشاكل، وجدوا الحل مرسوماً في ثنايا الشريعة الإسلامية منذ أكثر من أربعة عشر قرناً .. فهو ليس متطوراً وحسب، بل لديه القابلية للتطور أكثر، ولديه المناعة لمواجهة أصعب الظروف، ولديه الحلول الناجزة للمشكلات حين تقف نظريات البشر أمامها عاجزة حائرة.

الشواهد على هذا القول هي من التعدُّد بحيث لا يمكن حصرها، والأمثلة تستعصي على السرد في مثل هذه المساحة المحددة.

لكن الأزمة المالية العالمية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد والإعلام وحركة السوق، وسيطرت على تفكير الساسة والمحللين، كانت خير شاهد على أن النظرية المالية الإسلامية أثبتت منعتها وقوّتها وحصانتها أمام الانهيارات المفاجئة .. وقد قالها زعماء النظرية الرأسمالية بصريح العبارة، وأكدوا أن لو استفادوا من النظام المالي الإسلامي لما انهار الاقتصاد أمام أول عاصفة مالية، وطالبوا بالالتفات إلى هذا النظام، ليطبقوا ما يناسبهم منه بطريقتهم الخاصة، ومدى الاستفادة من التجربة الإسلامية في إدارة المال دون أن تتأثر بالانهيارات العالمية .. وبالفعل كان الفرق واضحاً..

ففي حين كانت المصارف ومؤسسات المال الغربية تتعامل مع المال كسلعة تشترى وتباع، كان النظام الإسلامي يرى أن المال وسيلة للاستثمار والبناء والتجارة، وأن فيه آليات لتوزيع الثروة وتداولها، وأنه ليس حكراً على فئة، بل تتاح فرصة الاستثمار والمساهمة لكل من يريد ذلك كلٌ حسب استطاعته وإمكاناته.

ولم تنحصر رؤية الإسلام المستقبلية في المال فقط، بل تشمل رؤيته جميع مناحي الحياة، فهو قادر على الاستيعاب، فإذا نظرنا إلى حقوق المرأة، ففي الوقت الذي تنادي المجتمعات بحقوق المرأة المحرومة من حقوقها المالية ومن الميراث وغيره من الحقوق المشروعة، نجد أن الإسلام قد أقرّ ذلك، وحثّ عليه منذ أربعة عشر قرناً ويزيد .. فقد أنصفها بنتاً حينما أنقذها من وأد الجاهلية وقسوتها ووحشيتها، وأنصفها أختاً لها نصيب مع الولد في ورثة الأب والأم، وأنصفها زوجة حين شرع لها حقوقها وجعل نفقتها على زوجها حتى لو كانت ذات مال .. وجاء الإنصاف الكبير للمرأة وهي أم؛ وذلك ببرها وطاعتها والإحسان إليها، فمتى تصل النظريات والفلسفات الأخرى إلى هذا الفهم الرفيع، وإلى هذه السعة من المرونة والإنصاف .. فالمرأة في الإسلام لها الحق في اختيار الزوج أو رفضه، وإذا ظلمت لها الحق في الطلاق منه، ولها حق امتلاك المال وتوظيفه والإنفاق منه كيفما تشاء ولمن تشاء، لا حجر على مالها أو حقوقها في أي حال من الأحوال.

وهكذا تستمر عطاءات هذا الدين الشامل الذي شرعه الله للناس كافة، لعلمه تعالى أنه صالح لكلِّ زمان ومكان، فكلما واجهت البشرية معضلة ما في مسار حياتها، ووقفت العلوم الإنسانية عاجزة، التفت الناس إلى الدين الإسلامي فوجدوا الجواب جاهزاً، وبالفعل فإن تقلبات الدهر ونوائبه هي التي تكشف للناس - كافة - مسلمهم وغير المسلم عظمة هذا الدين، وتواكبه، وتطوره، ومقدرته على المسايرة والتحديث.

فها هو اليوم يتواكب مع أحدث أنظمة المال التقنية العالمية، بل يتجاوزها بما لديه من خصائص الصمود والبقاء .. ويتواكب مع تقنية المعلومات يوظفها لصالح الدعوة إلى الله، وتقنية الاتصالات فيفيد منها بالقدر الذي يساعده على التمكين .. كما أن التقنية الإعلامية بكل ما تحمل من آليات ووسائل وقدرة على التأثير، أخذت تصب في جانب منها - وإن كان دون المستوى المرجو - في صالح منهج الإسلام، كما أنه أيضاً في زمن الانكماش والتراجع ظلت دائرة الإسلام تتسع، ورقعته تتمدد، ومنهجه ينتشر رغم الحرب الدعائية ضده، ورغم الحملات المعادية له.

ولا تتوقف قدرة الإسلام في استيعاب الواقع والتكيف مع الحاضر والصمود أمام عواصفه الهوجاء وحسب، بل يمتلك المنهج الإسلامي - ولا شك في ذلك - رؤية مستقبلية لمجابهة كل ما يستجد من أحداث، ولديه الحلول الناجعة لكل ما يعترض حياة البشرية من مشكلات، ولديه الإجابات الكافية لكل ما يتبادر إلى الذهن من تساؤلات.

مرونته وأسراره وإعجازه لا يكمن في قدرته على تجاوز المعضلات العادية فحسب، بل أيضاً في مجابهة التحديات الكبيرة والتحولات العظيمة، فالمنحنيات التي تكشف ضعف وهشاشة النظريات البشرية تبرز وبوضوح قوة الإسلام وقدرته على التحدي والمواجهة، وتبرز إمكاناته المتطورة ومواكبته الدؤوبة لكل الطوارئ والمستجدات.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد