نشرت بعض الصحف قبل عدة أيام، تقارير متقاربة، وتصريحات متضاربة، تناولت في الجملة، تعثر عدد من مشاريع الطرق والمياه، خاصة ما جاء منها على وجه التحديد، في منطقة (مكة المكرمة)، ثم في منطقتي (الباحة وعسير). |
قال (تصريح) لافت غير خافت، حول الموعد (المؤجل) لافتتاح طريق جبل كرا: بأنه لن يأتي، قبل الشهر السابع من السنة الجديدة..! هذا (التصريح الصريح)، نسف كل ما سبقه من تصريحات مُرقِّدة أو مُخدِّرة، فقد كان مقرراً فتح الطريق في بداية الشهر السابع من العام الفارط، لكن الأعمال لم تكتمل حسب ما هو مقرر لها، فعاد المسؤولون في الوزارة يؤكدون على الافتتاح بعد عيد الفطر المبارك، ولما جاء عيد الفطر المبارك، قالوا: الافتتاح يتم في أول شهر ذي الحجة، ولما قرب موعد الوعد الثالث، قالوا: الافتتاح بداية العام الجديد..! ولكن يبدو أن مدير إدارة النقل بالطائف، كان أكثر (المصرحين) واقعية في شأن هذا الطريق، فرمى بآمالنا وتطلعاتنا، إلى تسعة أشهر قادمة..! فهذه ثلاث سنوات عجاف ونيف، بما فيها من كلل وملل وبلل، تحملها المتنقلون بين المدن الثلاث: (مكة وجدة والطائف)، مع متلازمة اسمها: (العيد)..! فالعيد.. ظل ملازماً للوعود المتكررة، كما ظهر في تصريحات المسؤولين حول موعد افتتاح الطريق، الذي بدا وكأنه يأبى العودة للخدمة في موعده من جديد..! والأمر لا يختلف كثيراً فيما يتعلق بطريق عقبة المحمدية، فهو مشروع مر عليه قرابة خمس سنوات، ولما ينجز منه ما يبشر بقرب فتحه، ولا حتى طريق الطائف الباحة، الذي تأخر هو الآخر كثيراً. |
* نترك النقل وطرقها، ونذهب إلى وزارة المياه والكهرباء. متلازمة العيد، تلاحقنا أيضاً هذه المرة، فالعيد.. جاء ليمرر علينا الكثير من المواعيد، فقد عشنا صائفة خانقة إلى درجة اليَبَاس يا ناس، وكان (العطش)، عنواناً بارزاً ل(سياحة وطنية) أهم بناها ومقوماتها الماء. صيف عام 1429ه في الطائف والباحة وعسير، كان الأشد عطشاً، وكذلك الأمر في جدة، وفي كثير من مدن الساحل الغربي، الذي يفتح ذراعيه للبحر الأحمر، فيحضن موجاته الدافئة في حنان، (موجة ورا موجة)، وكأنه يردد مع مطرب يمني سابق: (الما بجنبي.. وأنا ساكن بجنب الما.. عاطش وهالك ظما.. وأنا أتفرج على الما). كانت صائفة مختلفة جداً، جافة جداً، وخانقة وشاقة جداً، إلى حد اشتجار الناس واشتباكهم بالأيدي عند أشياب الماء على الفناطيس، كما رأينا في جدة والطائف والباحة وعسير. كان هناك منذ عدة سنوات، مشروع واعد لمحطة تحلية في القنفذة. كان مطروحاً للتنفيذ، بهدف سقيا الباحة والقنفذة والليث وما حولها من مراكز وقرى، ولكن.. بقدرة قادر، توقف التنفيذ، وساحت الفكرة الجميلة في رمال الساحل، وعكفت وزارة المياه والكهرباء، على التصريحات الصحافية المعسولة المطمئنة، حتى وقعت الرأس في الرأس، ورأينا كيف عصف الجفاف بالمدن والقرى والبوادي، وكيف تحولت آلاف القرى، من رابغ شمالاً، حتى السودة جنوباً، إلى عالة على المدن الكبرى، تستجدي منها مياه شربها، وأصبحت حصص المدن التي لا تفي بحاجة سكانها أصلاً، مجزأة بين عشرات المدن وآلاف القرى، وحل الظمأ محل الري، والتفت الناس إلى وزارتهم المختصة، فلم يجدوا عندها ماءً يشربونه، ووجدوا عندها كلاماً يحلونه في الماء ليشرب، ولكن أين الماء المحلى..؟!. |
* في ظل هذه الأزمة المائية التي عصفت بثلاث مناطق في وقت واحد: (الغربية والباحة وعسير)، تركز الكلام على (بارجات) عائمة وعلى مشروع (الشعيبة3). ثم دخلنا في دوامة (الحليب والبقرة والمرعى والمطر)..! متى تحل أزمة المياه في عسير..؟ إذا وصلت البوارج إلى الشقيق؟ ومتى تصل البوارج إلى الشقيق ؟ بعد العيد؟.. جاء العيد ولم تصل البوارج، وسوف يأتي العيد الذي بعده وهي لم تصل، وربما يأتي العيد الذي بعد بعده، وهي في الطريق إلى الشقيق..!. |
* متى تحل أزمة المياه في الباحة وجدة ومكة والطائف؟ إذا اشتغلت (الشعيبة 3)؟ ومتى تشتغل (الشعيبة 3)؟ إذا جاء العيد. جاء العيد ولم تشتغل، فجاء من يقول مع بداية شهر الحج، ولكن جاء من هو أكبر منه ليقول: بل بعد عيد الحج، وجاء آخر أكبر ليقول: بعد ثلاثة أشهر، وجاء أكبر من الأكبر ليقول: في الربع الأخير من عام 2009م. |
* بين عيد وعيد.. وعيد.. وربما عيد رابع، يفعل الله ما يريد، فليس على الله من شيء بعيد. |
* مواعيد في مواعيد، وهذا هو سر تعثر كثير من مشاريع التغيير والتطوير في جهات عدة. الدولة رصدت عشرات المليارات، من أجل توفير خدمة أفضل لمواطنيها في كافة الميادين، و(الملك عبدالله) حفظه الله، رمى بأكثر من حجر، في مياه راكدة كثيرة، وقال ما معناه: الأموال أمامكم، ومطالب المواطنين خلفكم، وما لأحد عذر بعد اليوم. حدث هذا قبل أكثر من أربع سنوات، فما الذي يجري بالضبط يا سادة يا وزراء..؟! لماذا تتأخر المشاريع..؟ ولماذا لم تتحرك المليارات..؟ أين مليارات وزارة العدل..؟ ومليارات وزارة التربية..؟ ومليارات مدينة الطائف الجامعية.. المدينة الهائمة على وجهها، التي تركت مقرها المقرر، فضيعت مشيتها ووجهتها على ما يبدو..؟!. |
* كلما تابعت قضايانا مع هكذا مشاريع متعثرة أو مؤجلة، تذكرت العم (عرقوب).. وما أدراكم من هو العم (عرقوب) يا سيدات يا سادة..؟ |
* جاء في الآثار: بأن (عرقوب)، كان رجلاً من خيبر، ويقال كذلك: إنه كان من العماليق. أتاه أخوه يوماً يسأله، فقال له عرقوب: إذا أطلعت تلك النخلة، فلك طلعها. فلما أطلعت، أتاه للعدة فقال له: دعها حتى تبلح. فلما أبلحت، أتاه فقال: دعها حتى تزهى. فلما زهت قال: دعها حتى ترطب: فلما أرطبت قال: دعها حتى تتمر. فلما أتمرت، سرى إليها عرقوب من الليل، فجذها ولم يعط أخاه شيئاً. فسارت مواعيده تلك، مثلاً سائراً في الأمثال، كما قال كعب بن زهير: |
صارت مواعيد عرقوب لها مثلا |
وما مواعيدها إلا الأباطيل |
فليس تنجز ميعاداً إذا وعدت |
إلا كما يمسك الماء الغرابيل |
* وقال الصنوبري، في نظم قصة العم (عرقوب): |
قالوا لنا نخلة وقد طلعت |
نخلتها فاصطبر لطلعتها |
حتى إذا صار طلعها بلحا |
قالوا توقع بلوغ بسرتها |
حتى إذا بسرها غدا رطبا |
فازوا بأعذاقها برمتها |
* ألا.. ما أعدمها نخلة كنخلة (عرقوب) هذه..! |
|