يبدي كثير من الموظفين الذين يعملون في المنظمات الحكومية الكبيرة شكوى متفاوتة تجاه وظائفهم ويشعرون نحوها بالقلق وعدم الرضا، وذلك بسبب القيود البيروقراطية التي تعطي أولوية للأنظمة واللوائح والقوانين أكثر من إشباع الحاجات الإنسانية لدى موظفيها.
ويشير إبراهام ماسلو صاحب نظرية هرم الحاجات الإنسانية في واحدة من فرضياته التي ضمنها نظريته، إلى أن (الدافعية يجب أن يكون محورها الإنسان وليس الحيوان) وتأتي هذه الفرضية لتحيلنا إلى ضرورة تشغيل عنصر الدافعية عند الإنسان ليرتقي فوق مرتبة الحيوان.
وأهمية هذه الفرضية ليست فيما قالته نصاً وإنما فيما أوحت به إلينا بصورة تؤكد مدى تحريك الدافعية نحو مستويات عليا. فماسلو لم يختر التعبير الخطأ حينما أشار إلى الحيوان في هذه الفرضية وإنما أراد أن يرمي حجراً تنداح له البحيرة الراكدة بمئات من الحلقات المتتابعة، حتى يبقى الإنسان في نظر المنظمات الإدارية إنساناً لا تشوبه شائبة.
وفي هذا السياق يمكن الانطلاق إلى افتراض آخر مقابل لافتراض ماسلو جاء قبله، هي مقولة عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر مفادها:
(أن الحياة الإدارية لا تصح إلا بورقة وقلم واستمارة) وهي مقولة تبحث في نوع من السيطرة على المنظمات الكبرى من خلال التسلسل الإداري واللوائح والقوانين والأنظمة والتي عدها فيبر في ذلك الحين منتهى الرشد والعقلانية في الأداء الإداري وأطلق على هذا النوع من الإدارة اسم إدارة المكتب أو البيروقراطية، والعجيب في هذا النظام الإداري أنه أعطى الإنسان اهتماماً ثانوياً، في حين أصبح بعد فيبر نظاماً مترهلاً يهتم بالورقة والقلم والاستمارة أكثر من اهتمامه بالإنسان، وهذا ما دعا ماسلو أن يرمي حجراً في عمق الإدارة الكلاسيكية الذي يعد فيبر أحد أعمدتها.
إن نظرية الحاجات الإنسانية التي أوجدها ماسلو تضيف إلى الورقة والقلم والاستمارة إنساناً لا يقل أهمية عنها، وكياناً لا تقوم المنظمات الكبرى إلا به، الأمر الذي ينشط الحياة البيروقراطية في المنظمة، بدلاً من أن تصبح متكلسة حاضرها كأمسها.
Ra99ja@yahoo.com