عجبت لردات الفعل الصحفية بخصوص مسلسلات رمضان البدوية.. فقد كانت مقالات ذات بعد قبلي وتنذر بانفجار قبلي وظهور عداوات قديمة تؤدي إلى العنف.. كنا نطمع أن تكون قد زالت فإذا بها فقط تحوَّلت إلى عداوات مؤجلة.. وعجبت أكثر كيف أن كل تلك التنمية والتمدن والرفاهية لم تفلح في غسل ذلك البعد القبلي من روح المجتمع أو المجتمعات المكونة للمملكة العربية السعودية حتى اليوم.
أين الخطأ؟.. يجب أن نعترف أن هناك خطأ.. وإلا كيف أن أحداثاً مضى عليها أكثر من قرن ما زالت ساخنة بل وملتهبة.. لكنها تكمن تحت غشاء رقيق من الرماد في انتظار هبة خفيفة لتذروها وتظهر وهجها ووجهها القبيح.
ماذا يعني أنه لم تكفِ ثمانون عاماً من الأمن والاستقرار وعلو المستوى المعيشي للمجتمع السعودي للتخلص من العصبية القبلية.. هل نحن بذلك وبعد كل تلك الأعوام من التنمية مجتمع غير جاهز للتمدن والمدنية؟.
وإذا عرفنا أنه كلما ارتفع أحساس الفرد بالخوف وعدم الأمان كلما ارتد وزاد لجوؤه إلى ولاءات أصغر كالقبيلة أو الطائفة المذهبية بدل الوطن والعائلة والمجتمع الذي يعيش فيه.. وهذا ما نراه اليوم في العراق رغم التاريخ العريق في التحضر.. وكيف أن فقد الأمن حوَّل ولاءات الناس للوطن إلى ولاءات للقبائل وللطوائف.. وأدخل العراق أجواء الحرب الأهلية.. فهل المجتمع السعودي يعيش حالة من عدم الأمان تجعله دائماً قريباً من الارتباط القبلي بقدر ابتعاده عن الارتباط الوطني.. وما الذي يعنيه أن الدولة ما زالت تحتاج إلى تنظيم برامج للتعريف بالوطنية والتحفيز عليها.. فأين الخطأ؟.
المشكلة أن وقود جماعات الإرهاب لتنفيذ مآربهم هم الشباب المراهق أو حديثو العهد بها.. وهؤلاء كذلك سوف يكونون وقود جماعات الإرهاب القبلي.. وهنا مكمن الخطر.. فهل سوف نرى إرهاباً ذا دوافع قبلية كما رأيناه ذا دوافع دينية.. هذا على الأقل ما يفترض أن نكون قد تعلمناه.. فإذا كان انتحاريو الإرهاب ذوو الدوافع الدينية أُجِّجت مشاعرهم بدواعي الدفاع عن الدين وطلب أجر الآخرة.. فإن انتحاريي التعصب القبلي سوف يُدْفعون للإرهاب بدواعي الدفاع عن الأهل والعشيرة وطلب الثأر للآباء والأجداد.