المسلسلات التاريخية التي تتناول شأناً سياسياً توضح كثيراً من الأمور التي اختلطت على العامة. ففي ظل هيمنة الصوت العالي وضجيج الغوغاء تُدفن الحقيقة ويُظلم القادة. وبما أنَّ التاريخ يكتبه المنتصرون، فإنَّ حياة وتاريخ ساسة العهد الملكي في العراق كما في مصر قد غُيِّبا عمداً، وطمست القوى المنتصرة بعد تغيير الأوضاع في مصر والعراق كل إيجابيات ساسة العراق ومصر قبل ثورتي 23 يوليو 1952م في مصر و14 تموز 1958م في العراق، وتوسعت في إظهار سلبيات وعيوب تلكم الساسة قبل الثورتين، رغم أن الساسة في البلدين لهم من الأخطاء التي يمكن تقييمها في ذات الفترة التي عاشوها، إلا أنهم أيضاً لهم الكثير من الإيجابيات والمواقف التي بدأت تظهر فوائدها بعد عقود من الانقلاب عليهم، وهذا ما أظهرته حتى الآن الحلقات التي عرضت من مسلسل (الباشا) الذي تبثه محطة الشرقية العراقية، ومثلما أظهرته حلقات مسلسل (الملك فاروق) الذي عرضه محطة MBC العام الماضي.
نعود لمسلسل (الباشا) الذي برمج حياة العراقيين في شهر رمضان الكريم، حيث أصبح العراقيون وكثير من المشاهدين في الدول العربية المجاورة يتجمهرون خلف شاشة التلفاز بعد أداء صلاة التراويح، لمتابعة أحداث المسلسل الذي يؤرخ لنشوء الدولة العراقية وفترة الاحتلال البريطاني للعراق وتنصيب الملك فيصل الأول ملكاً للعراق، ودور نوري باشا السعيد في إرساء قواعد الدولة العراقية مع رفقائه من الساسة العراقيين جعفر أبو التمن، وإبراهيم النقيب، والمراجع الدينية الخالصين والصدر والشيخ عبدالمحسن باشا السعدون وغيرهم.
العراقيون ومن وحي الوضع المأساوي الذي يعيشونه حالياً وكونهم يخوضون تقريباً مأساة الاحتلال نفسها، فهم الآن في وضعية الاحتلال الأمريكي البريطاني الإيراني المركب، يقارنون في أحاديثهم مع بعضهم البعض فيما فعله نوري باشا السعيد ورفاقه السياسيون الذين اتهمهم العراقيون بعد ثورة 14 تموز 1958م بعملاء بريطانيا وأذناب الاستعمار، وبين السياسيين الحاليين الذين يمسكون بزمام الأمور في العراق.
نوري السعيد، وتوفيق السويدي، وعبدالمحسن السعدون، والنقيب وأبو تمن وغيرهم، أنقذوا العراق من فتنة طائفية، وحموا وحدة العراق، وأقاموا دولة قوية كانت إحدى الدول المحورية في المنطقة، وانتزعوا الاستقلال من بريطانيا، في حين لا يزال سياسيو العراق الراهن غير قادرين من انتشال العراق من الفتنة الطائفية، ولا تزال الأوضاع الأمنية غير مستتبة، ووحدته الجغرافية والوطنية مهددة، تسوده مظاهر الفقر والفساد رغم ثروته النفطية الكبيرة.
العراقيون وبحرارة يتساءلون، هل يستطيع نوري المالكي أن يكرر إنجازات نوري باشا السعيد، الذي كافأه العراقيون بالسحل على أسفلت شوارع بغداد التي أحبها وصانها..؟!!
jaser@al-jazirah.com.sa