كثيرون من أصحاب الدثور لا يعرفون صرف صدقاتهم أو زكاتهم إلا في رمضان، مع أن البعض منهم تحل عليه قبل رمضان بشهور أو بعده كذلك، وفي هذا النهج شيء من تعقيد الأمور أو أنهم لا يتذكرون ذلك إلا في رمضان أو أن لهم عذرا لا نعرفه أو سرا نجهله.
وفي رمضان تتحول أبوابهم الذهبية إلى مزار للفقراء أو المستفقرين ليقفوا أمامها، مع أن بعض الواقفين يرتدي عباءة ثمينة ويزعم أنه ابن جلا وطلاع الثنانا!! وتلك قد ضجت معاصمها بالذهب وعيونها بالكحل الذي يذيب قلب الموزع ليرحمها!!
لا أدري لماذا صرنا نسلط الوهج على كل شيء في حياتنا حتى أعمال الخير التي هي سر بين العبد وربه؟ ولا أجد مبرراً لإذلال أولئك الواقفين عند باب الشيخ وجعلهم ينتظرون ساعات حتى يطل عليهم مندوبه (الحرامي) بطلعته البهية فيبتسم لهذا الفقير ويضحك لتلك التي سال الكحل من عينيها وهو يناولهم جزءاً بسيطاً مما أمر به سعادة الشيخ الثري الذي يردد وهو في مجلسه على مسمع من زائريه: عطهم وفكنا من وقفتهم قدام الباب.
هكذا تجيء عبارة البر والتقوى والصدقة التي كأنه لا يريد منها وجه الله وإنما وجوه القوم المماثلين له والجالسين في بيته على ديباج وحرير ناعمين.
هذا السلوك الخيري سلوك لم نعرفه من قبل، وأظنه منافياً لعفة وشهامة الأثرياء الذين لا تعلم أيمانهم ما تنفق شمالهم، ولا يعرف حتى أقاربهم ما ينفقون لوجه الله لا لوجوه كبار القوم الذين يهزون رؤوسهم وهم جلوس عنده قائلين بتملق ونفاق واضح: الله يجزاك خير.
هناك بيوت منذ أن خلقت وهي بيوت خير ووجاهة ومقصد للمحتاج والضيف والضعيف، يجدون فيها ملجأ من نكبات الدهر، وهذه البيوت هي البيوت المستورة العاقلة والتي لها أثر بين وواضح في فعل الخير وحتى لو لم تعلن عنه أو تتظاهر به؛ لأن الطفل فيها ينشأ ويتعود على فعل الخير منذ أجداده.
أما بيوت الثراء الحديثي عهد بالمليارات فهي بيوت جائعة مهما شبعت، وهي فقيرة مهما رصدت من الدولارات، وهي بيوت خواء مهما امتلأت؛ لأن الديمومة والطبع مخالفان للجدة والتطبع، لأن حديث النعمة يعيش في صراع مع فقره السابق وغناه الفجائي، وربما تذكر حمار أبيه أو عرقه المتصبب قبل الثراء فيكون سداً منيعاً له من الخير، لكنه يذكر الجالسين حوله فيكونون عوناً له على التظاهر وهنا الفرق بين بيوت الخير وبيوت الاستخيار.
في رمضان تجيء تناقضات بين العبادة والعباد، وتجيء إنفاقات ربما لا داعي لها حتى لو كانت تحت ستار الصدقة والبر والتقوى لله في رمضان؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو رب رمضان وشعبان وغيرهما، وليس شرطاً أن لا تدفع الزكاة أو الصدقة إلا في رمضان، بل هي في كل وقت وتحت ظروف متحتمة.
أقول لهؤلاء التجار الذين يهينون الناس أمام أبوابهم: اتقوا الله في الفقراء والمحتاجين وانفقوا بستر وعقل وصون لكرامة الإنسان سواء أكان فقيراً أو مستكثراً وما أكثرهم.
كثيرون من الأثرياء ينفقون على عائلات وفقراء ومحتاجين وأيتام طوال العام ولا يعلم عنهم سوى الله، وكثيرون ينقذون رقاباً ويخرجون مساجين بكثير من الستر وفعل الخير الخفي تقرباً لله، لكن هناك من هم عكس ذلك وهم الذين نتحدث عنهم.
فاكس 2372911
abo-hamra@hotmail.com