الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن وبينهما أمور متشابهات.. وهنا مكمن الخطر ومربط الفرس حيث منشأ الاختلاف وميدان الخلاف.. فتشابه الأمور يدخل الناس في التفاصيل.. وكما يقول الأوروبيون: فتش عن الشيطان في التفاصيل.
الأوروبيون بحضاراتهم العريقة.. التي تراكمت عبر العصور حتى بلغت أوج ازدهارها في هذا العصر الحديث.. أجادوا الوصف للاختلاف وجعلوه في صورة شيطان يقتات على التفاصيل وينشط في بيئات الاختلاف.. فهو يُفَرّق ولا يُجَمِّع.. ويدمر ولا يبني.
وحيث إن الحكم على الشيء فرع من تصوره فقد جعل بعض الناس من الأمور المتشابهة قضايا أو ثوابت يقينية.. وسعى إلى فرضها بالقوة إذا استطاع.. وحَوّل الاختلاف إلى خلاف ثم إلى عداء وقهر وإقصاء وربما إلى إعدام.
ومن الأمور المتشابهة قضايا الاختلاط والموسيقى والتصوير.. وحيث إن محدثات الأمور أصبحت كثيرة ومستجدات الحياة المعاصرة صارت عديدة فقد زادت تلك الأمور المتشابهة بالتعاملات البنكية والتأمين والتليفزيونات الفضائية.. والباحث يجد أن الكثير من هذه الأمور المتشابهة في زمن سابق لم تعد كذلك اليوم.. مثل الذين كانوا يرون في تعليم المرأة شبهة وكذلك الحال بالنسبة للبرقية والإذاعة والتليفزيون والتصوير.. فما من عاقل اليوم يقول بحرمة هذه الأشياء.
ومن الأمور المتشابهة تلك الدعوات التي علت كثيراً وبالذات بعد الحوار الوطني السابع للمطالبة بأن ينص قانون العمل على منع الاختلاط في مكان العمل.. وهذه المطالبة إن تحققت فسوف توقع البلاد والعباد في حال من حالين.. إما الارتباك في المستشفيات والأسواق التي إذا منع الاختلاط فيها حصلت فوضى وتعطلت حياة الناس.. وإما أن توقع الناس في النفاق الذي يرى الاختلاط محرماً في أماكن وجائزاً في أماكن أخرى.. تماماً كما أوقعتهم قضية تحريم قيادة المرأة للسيارة وإجازة خلوتها مع السائق الأجنبي.
ومن المتشابهات أيضاً الفرق بين الكذب وعدم قول الحقيقة.. فهل هما متشابهان أم مختلفان؟.. مثلاً عدم الإفصاح عن أرقام توزيع الصحف.. هل يعتبر كذباً.. أم هو فقط كتمان للحقيقة.. وهل هما متشابهان أم مختلفان؟.. أما المثال الساخن لمثل هذا التشابه فهو عقود شركة مساهمة عامة وهي شركة (الاتصالات) مع ثلاثة أندية رياضية تحت مظلة جهة حكومية.. ولا يعلن عن قيمتها أو شروطها وكأنها سر تجاري خاص لمؤسسة عائلية خاصة.