Al Jazirah NewsPaper Saturday  28/06/2008 G Issue 13057
السبت 24 جمادىالآخرة 1429   العدد  13057
حقوق الإنسان كل لا يتجزأ
لويز آربور

في الثامن عشر من يونيو - حزيران اتخذ المجلس الحكومي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة خطوة على قدر عظيم من الأهمية نحو إزالة التقسيم المصطنع بين التحرر من الخوف والتحرر من العوز، وهو التقسيم الذي ظل يعيب نظام حقوق الإنسان منذ تأسيسه. فمن خلال إعطاء الضوء الأخضر للبروتوكول الاختياري لاتفاقية 1966 الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، نجح المجلس في تأسيس آلية بالغة الأهمية لفضح الانتهاكات المرتبطة تقليدياً بالفقر والتمييز والإهمال، التي كثيراً ما يتحملها الضحايا بصمت وعجز.

الآن سوف يتوقف الأمر على الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصديق النهائي على هذا البروتوكول. وهذه الأداة، إذا ما تم تبنيها، قادرة على إحداث فارق حقيقي في حياة هؤلاء الذين كثيراً ما يُترَكون للمعاناة على هوامش المجتمع، ويحرمون من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثل الحق في الحصول على التغذية الكافية، وخدمات الرعاية الصحية، والإسكان، والتعليم.

منذ ستين عاماً اعترف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن كلاً من التحرر من العوز والتحرر من الخوف يشكل شرطاً أساسياً لا غنى عنه للحياة الكريمة. ولقد ربط الإعلان على نحو واضح لا لبس فيه بين الفقر المدقع والنبذ وبين التمييز وعدم المساواة في الوصول إلى الموارد والفرص. لقد أدرك من شاركوا في صياغة هذا الإعلان أن النبذ الاجتماعي والثقافي يحول دون المشاركة الكاملة في الحياة العامة والقدرة على التأثير في السياسات والفوز بالعدالة.

بيد أن هذا الموقف الموحد تعرض لنكبة بسبب المنطق الذي ساد في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي قام على تكتلات جغرافية تتنافس على الأفكار، والسلطة، والنفوذ. كما تأثرت حقوق الإنسان بفعل الثنائية القطبية التي سادت أثناء الحرب الباردة؛ حيث زعمت البلدان ذات الاقتصاد المنظم أن الحاجة إلى البقاء تنسخ الطموح إلى الحرية، وهذا يعني أن الحصول على الضرورات الأساسية المندرجة تحت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا بد أن تكون له الأولوية في التخطيط والتطبيق.

في المقابل كانت الحكومات الغربية تتعامل مع هذا المنظور بقدر كبير من الحذر؛ حيث كان مبلغ خوفها أن يؤدي هذا المنظور إلى عرقلة ممارسات السوق الحرة، أو أن يفرض التزامات مالية مرهقة ومفرطة، أو كلا الأمرين. وعلى هذا فقد اختارت الحكومات الغربية أن تمنح الأولوية للحقوق المدنية والسياسية التي كانت تنظر إليها باعتبارها من أهم دعامات الديمقراطية.

على هذه الخلفية، كان من المستحيل أن يتم التوصل إلى اتفاق على أداة منفردة شاملة تسمح للمبادئ التي أقرها الإعلان بإحداث تأثير كلي في التعامل مع حقوق الإنسان. ولم يكن من المدهش أن يستغرق الأمر قرابة العقدين من الزمان قبل أن تتبنى البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة معاهدتين منفصلتين في نفس الوقت المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية، والمعاهدة الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يشتملان على سلتين منفصلتين من الحقوق. إلا أن المعاهدة الأولى فقط هي التي حظيت بآليات المتابعة اللازمة للمراقبة والتنفيذ.

ومن خلال الممارسة العملية أدى هذا التضارب إلى خلق فئة من الحقوق (الأولية) - المدنية والسياسية - التي كانت لها الأولوية على أجندات السياسة الخارجية في البلدان ذات النفوذ والثروة. وفي المقابل تُرِكَت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في أغلب الأحوال لتتراجع إلى ذيل قوائم الأولويات الوطنية والدولية.

وبعلاجه الخلل في التوازن بين مجموعتي الحقوق، يعمل البروتوكول الجديد على تمهيد الطريق أمام معاهدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية باعتبارها أداة لفضح الانتهاكات، تُعرَف باسم (آلية الشكوى)، وتشبه تلك الآليات التي ابتكرت لتفعيل المعاهدات الدولية الأساسية الأخرى الخاصة بحقوق الإنسان. قد تبدو هذه الإجراءات مبهمة، ولكن عن طريق رفع الشكوى وفقاً لشروط البروتوكول، سوف يصبح بوسع الضحايا الآن أن يكشفوا عن الانتهاكات التي ترتكبها حكوماتهم، أو تعجز عن منعها، أو تتجاهلها. باختصار، يقدم البروتوكول الوسيلة التي يستطيع بها الأفراد، الذين لولا ذلك لوقعوا فريسة للعزلة والعجز، أن يلفتوا انتباه المجتمع الدولي إلى المحنة التي يعيشونها.

بعد إقرار البروتوكول من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة، فمن المقرر أن يدخل إلى حيز التنفيذ بمجرد التصديق عليه من قِبَل العدد الكافي من البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة. وهذا من شأنه أن يساهم في تنمية البرامج والخطط اللائقة القائمة على حقوق الإنسان، والقادرة على تعزيز الحريات ودعم رفاهية الأفراد ومجتمعاتهم.

لن تتبنى كل الدول الأعضاء هذا البروتوكول؛ إذ إن البعض سوف يفضلون تجنب أي تعزيز للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولسوف يسعون إلى الإبقاء على الوضع الراهن. بيد أن الموقف الأفضل والأكثر عدلاً يتلخص في تبني رؤية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والترويج بوضوح لفكرة مفادها أن الكرامة الإنسانية تتطلب احترام كافة الحريات وحمايتها من الخوف والعوز.

لويز آربور الممثلة العليا للأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان.
خاص بالجزيرة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد