تقرير - بندر الايداء
تحتفل شركة أرامكو السعودية بالذكرى الماسية لتأسيسها حيث تقف على أعتاب السنة الخامسة بعد السبعين منذ نشأتها في المملكة وقد اختارت الشركة التي درجت طوال تاريخها على إقامة مشاريع كبيرة بهدف زيادة احتياطياتها من المواد الهيدروكربونية من على بعد آلاف الأقدام تحت رمال الصحراء وقيعان البحار وإيصال تلك المنتجات إلى المستهلكين في جميع أنحاء المعمورة شعار (الطاقة للأجيال) كشعار رسمي للاحتفال التاريخي.
وبهذه المناسبة قال وزير البترول والثروة المعدنية ورئيس مجلس إدارة الشركة علي بن ابراهيم النعيمي: (في مثل هذا الشهر قبل خمس وسبعين سنة أطلق جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - أمره الشهير لوزير المال آنذاك عبدالله السليمان ليوقع اتفاقية الامتياز الأصلية بين المملكة وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا، تلك الاتفاقية (الوثيقة) التي أرست دعائم صناعة البترول في المملكة.
وزاد النعيمي: (فيما تحتفل أرامكو بهذه الذكرى فإننا جميعاً في هذا الوطن العزيز نستحضر سنوات عديدة من الإنجازات الرائدة الرائعة، التي مكنت الوطن، بثاقب بصيرة المؤسس وحكمته، من أن يحفر اسمه كبيراً في المحافل الدولية، وبأن يأخذ نصيبه كاملاً من خطط ومشروعات البناء والتنمية لخيره وخير أبنائه).
وأضاف إن هذه المناسبة تبعث في نفسي كما تبعث في نفس كل منتسب لهذا القطاع الحيوي، بل في نفس كل مواطن، شعوراً بالفخر والاعتزاز ونحن نشاهد الشركة تزداد شباباً وتألقاً كلما ازدادت نضجاً. فقبل عشرين عاماً كان معدل إنتاج المملكة واحتياطيات الزيت الخام المؤكدة فيها تشير إلى إمكانية استمرارها لسبعين سنة قادمة. ومع تعاظم الاحتياطيات، وبعد السنين الطويلة من الإنتاج المتواصل، لا يزال أمام أرامكو قرابة قرن من الخير والعطاء بإذن الله. وها هي احتياطيات الغاز الكامنة في ثرى المملكة تغدق خيراتها علينا وتشكل مصدراً مهماً من مصادر الطاقة في المملكة، لتعود معها أرامكو فتية وضاءة لم تزدها السنون إلا نضارة وشباباً. وإذا كان الشباب يرتبط دائماً بالطاقة والحماس والحيوية، فإنني ألمح هذا المعنى بشكل جلي كلما تحدثت إلى بعض موظفي الشركة، سواء أكانوا مسؤولين كباراً، أم موظفين يتمتعون بخبرات طويلة، أم خريجين جدداً، أم موظفين حديثي العهد بوظائفهم.
وتابع: وفي ظل هذه الروح الشابة التي تفيض بالحماس والحيوية والإحساس القوي بالمسؤولية، أزجي التهنئة بهذه المناسبة لأعضاء مجلس إدارة أرامكو وإدارتها التنفيذية، منوهاً بما بذلوه من جهود كبيرة مكنتهم على الدوام من قيادة سفينتها إلى مواطن التفوق والتميز، كما أزجي التهنئة للأجيال المتعاقبة من موظفي الشركة الذين كان لإخلاصهم وتفانيهم أكبر الأثر في الانتقال بها من بداياتها المتواضعة إلى تبوئها مكانة متقدمة بين الشركات الصناعية العالمية.
من جانبه قال رئيس الشركة وكبير الإداريين التنفيذيين فيها الأستاذ عبد الله بن صالح جمعة: يقف وراء إنجازاتنا خلال خمسة وسبعين عاما من النجاح والتميز أوصلت الشركة إلى المركز الأول بين الشركات البترولية في العالم، وجعلتها المصدر الرائد الموثوق للطاقة في كل وقت وتحت كل الظروف، يقف وراءها أولئك العاملون في الشركة بروح الفريق الواحد بكل جنسياتهم، يسودهم الاحترام المتبادل، ويثريهم التنوع، ويجمعهم التسامح. إنهم أولئك العاملون الذين يعيشون قيمهم، لا يحيدون عنها، نزاهة وإنصافا، واحتراما للمسؤولية وانضباطا، والتزاما بالكلمة والعهد، وحرصا على ممتلكات شركتهم ورعاية لها. إنهم العاملون الذين تشكل لهم السلامة أسلوب حياة، وحجر أساس لكل عمل يؤدونه، والذين جعل كل منهم نفسه عينا ساهرة لحماية وأمن المكان الذي يعمل فيه.
وزاد: يقف وراء إنجازات أرامكو العاملون الذين يحرصون أن تكون شركتهم بيئة للتعلم والتطوير الذاتي، فلا يقفون عند حد في طلب العلم، واكتساب المهارات، ومواكبة الأفكار والتطورات الجديدة. إنهم أولئك الذين يدركون أن هذا العصر هو عصر الإبداع والابتكار، يبحثون عن الأفضل في كل ما يعملونه، يقدمون الحلول الذكية وينظرون للصورة الشاملة لأعمالهم وتكاملها مع أعمال الآخرين، ويكونون سباقين في التقنية استخداما وتطويرا.
وتابع: ويجمع كل ما ذكرته عن أولئك العاملين حقيقة أخرى، يجسدونها كل يوم، في تفانيهم في حب الوطن الذي ينتمون إليه، واستجابتهم لتطلعات قادة بلادهم، وحمايتهم لثرواته وبيئته، وحرصهم على تحقيق كل ما فيه ازدهار اقتصاده وخدمة مجتمعه.
وأضاف: في هذه الخمسة والسبعون عاما، وبأولئك الرجال، حققت شركتنا كل هذه الإنجازات، عوضت إنتاج الزيت الهائل بالاكتشاف، وضاعفت احتياطيات الغاز وإنتاجه. نفذت المشاريع العملاقة في الإنتاج والمعالجة للزيت والغاز محققة اعترافا عالميا بتفوقها في هذا المجال، وطورت تقنيات فريدة في أعمالها وكانت سباقة في العالم، وعقدت شراكات عالمية كرست المنافذ لإنتاجها وزادت من عوائدها ومردودها، وبنت أسطولا زاد من موثوقيتها واعتماديتها. لكن ما سيأتي سيكون أصعب، فلقد اتعب كل جيل من أجيالنا السابقة، على مدى خمسة وسبعين عاما الماضية، الجيل الذي بعده، فهو لم يتوان عن تحدي كل نجاح تحقق بنجاح أكبر، ولم يقبل إلا تحقيق التفوق على التفوق. ونحن في جيلنا هذا، وأجيالنا في المستقبل، سنواصل نفس المسيرة برغم التحديات الأكبر والأشد في عالم اليوم. وسنصل بشركتنا - بإذن الله - إلى قمم أخرى، أصعب طريقا، ولكنها أعلى ذروة.
ثمانية عقود من الإنجازات
ويرى المتتبع لنشاط الشركة العملاقة قيامها في الوقت الحالي بجانب أعمالها التقليدية، بتنفيذ عدد من (المشاريع العملاقة) المستندة إلى الإنجازات السابقة. ويستفيد الناس في جميع أنحاء العالم من خطط أرامكو المتقدمة في مجال البيئة والسلامة التي تهدف إلى المحافظة على سلامة الموظفين والمجتمعات التي تعمل فيها والبيئة العالمية ككل وشهدت ثمانية العقود التي قضتها الشركة المعنية باستخراج المصدر الرئيس للاقتصاد الوطني العديد من التطورات والقفزات في إمكانات الشركة وقدراتها على الصعيد العالمي.
وتعود القصة لعام 1933م حين أعطت المملكة امتياز التنقيب عن الزيت لشركة كاليفورنيا ستاندارد أويل كومباني (كاسوك)، وهي شركة منتسبة لشركة ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال، التي تعرف اليوم باسم شيفرون). بعد توجيه المملكة في عهد مؤسسها المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - الدعوة للعديد من المستثمرين وشركات النفط في عام 1923م لاستكشاف وإنتاج النفط في منطقة تقدر بحوالي 500 ألف ميل مربع من مساحة المملكة.
وبعد عدة أشهر من توقيع هذه الاتفاقية أظهرت نتائج البحوث الجيولوجية الأولية لأعمال التنقيب عن النفط علامات مشجعة وبعد خمس سنوات وفي عام 1938م ظهرت الأنباء المنشودة لتكشف عن أول حقل زيت تجاري في الظهران وتم تصدير الزيت الخام عن طريق الصنادل إلى البحرين بكميات تجارية وفي عام 1939م قامت الشركة بتصدير أول شحنة زيت يتم تحميلها على ناقلة. وفي عام 1944م غيرت كاسوك اسمها ليصبح أرابيان أمريكان أويل كومباني (أرامكو) ثم بدأت أعمال باكورة معامل تكرير النفط التابعة للشركة في عام 1945م في رأس تنورة وتلا ذلك انضمام شركتي ستاندارد أويل أوف نيو جيرسي وسوكوني فاكيوم أويل (وكلتاهما الآن إكسون - موبيل) إلى سوكال وتكساكو في ملكية أرامكو في عام 1948م، وهو العام الذي شهد اكتشافا عظيما حيث امكن العثور على مكمن بطول 280 كيلو مترا, وعرض 30 كيلو مترا وهو حقل الغوار الذي أمسى برصيده الذي يتجاوز 100 مليار برميل من الاحتياطي المتبقي من الخام العربي الخفيف اكبر حقول العالم على الإطلاق، ويقع حقل الغوار على بعد 100 كيلو متر إلى الجنوب الغربي من مكاتب الشبكة الرئيسية في الظهران. وبحسب المصادر فإنه لا يوجد له مثيل في أي مكان في العالم لطاقة هذا الحقل الإنتاجية التي تتجاوز 5 ملايين برميل في اليوم.
وبخطى متسارعة وثابتة تم إنجاز خط الأنابيب عبر البلاد العربية (التابلاين) الذي يربط بين حقول الزيت في المنطقة الشرقية ولبنان على ساحل البحر الأبيض المتوسط وذلك في عام 1950وفي السنة التي تليها اكتشاف حقل السفانية وهو أكبر حقل زيت في المنطقة المغمورة في العالم.
يشار إلى أن حقل السفانية هو أكبر حقول الزيت المغمورة في العالم ويقع على بعد 265 كيلو مترا إلى الشمال من مكاتب الشركة الرئيسية في الظهران. وقد تم اكتشافه في العام 1951 ويبلغ طوله 50 كيلو مترا، وعرضه 15 كيلو مترا, ويحتوي على ما يزيد على 35 بليون برميل من الاحتياطيات المتبقية وتتجاوز طاقته الإنتاجية 1.2 مليون برميل في اليوم.