Al Jazirah NewsPaper Friday  07/03/2008 G Issue 12944
الجمعة 29 صفر 1429   العدد  12944
سَبُّ نبينا محمد(صلي الله علية وسلم ) حريَّة أم عدوان؟!!
عبدالعزيز بن صالح العسكر

ماذا يعني أن تنشر سبع عشرة صحيفة دنماركية الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ وماذا يعني أن يدعو وزير الداخلية الألماني كل الصحف الأوروبية إلى نشر الرسوم؟، وهل يقبل أن يكون الدافع لذلك حرية الرأي؟، وهل يقبل كذلك أن يكون المسوغ لنشر تلك الرسوم الردّ على محاولة الاغتيال التي تعرَّض لها الرسام؟!!

أسئلة نقدمها بين يدي هذه المناقشة العقلية للموضوع.

إنَّ من الحقائق المتفق عليها في ديننا دين الإسلام أنَّ الحرية لا يجوز أن تصل إلى سب الدين ورموزه مهما كانت ومهما كان اختلافنا مع أتباع الأديان. قال الله تعالى{وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} سورة الأنعام (108).

أما أنبياء الله فإنّ الإيمان بنبوتهم جميعا واجب في ديننا، فكيف يجوز أن يسب أيٌّ منهم؛ قال الله تعالى {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} سورة البقرة (136). وقال تعالى (كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) سورة البقرة (285). والإيمان بنبوتهم مقترن بالإيمان بأنَّ خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأن دينه خاتم الأديان فيجب على كل من سمعه أن يؤمن به.

أما أن يكون المسوغ لإعادة نشر الرسوم المسيئة إلى ديننا ونبينا هو الرد على من حاول اغتيال الرسام فإنه تعليل يدل على السذاجة والحماقة وقلة العقل.. وإلا فما ذنب النبي ودينه، وهل يقبل ممن يدعون التقدم والديمقراطية والعدل والإنصاف أن يحاسبوا مليار مسلم على عمل فرد واحد منهم، أو أن يسيئوا إلى الدين بسبب تصرُّف واحد من أتباعه -إن ثبت أن الذي حاول الاغتيال مسلم- ؟!

ثم ماذا يكون رد أولئك لو أنّ صحيفة في بلد مسلم أو رساما أو كاتبا أساء إلى عيسى بن مريم أو موسى عليهما السلام -وحاشاه أن يفعل- لأنّه حرام في ديننا، ماذا يكون ردهم لو قلنا إنّ الدافع لذلك الحرية الصحفية؟!، أم أنه يحل لهم ما يحرم على غيرهم؟! ونحن نعلم أنهم في أوروبا وغيرها يدافعون عن قيم ليس لها علاقة بالأديان السماوية، ويتمسكون بوقائع تاريخية يكتنفها الشك ومنها مسألة محرقة اليهود.

والإعلام الغربي لا يتوقف عند مجرد رسوم يشوه بها صورة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الذي بعث به؛ وإنما يواصل في عدائه وحقده وصلفه. فهذا النائب اليميني المتطرف في هولندا (غيرت فيلدرز) يعد فلماً مناهضاً للإسلام والقرآن ويهدد بعرضه في بلدان إسلامية وغير إسلامية!!. والعجيب في الأمر أنَّ ذلك النائب قد سَمَّى فيلمه (الفتنة) وهو حقاً كذلك، والله تعالى يقول في كتابه العزيز {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} سورة البقرة (191) فإذا كان بعض الكفار يشنون حروباً على المسلمين ويقتلون منهم العشرات والمئات كما في فلسطين فإنّ الفتنة أشد من القتل؛ لأنَّ الفتنة هي التي تزكي القتل وتزيده وتلهبه.

والذي نتمناه من عقلاء الغرب وبخاصة في أوروبا أن يعوا ذلك جيداً، فكلما أسلفنا إنّ منطق العقل والسلام والإنصاف يفرض على الناس جميعهم ومن شتى الأديان البعد عما فيه إثارة للفتنة والحقد والطائفية.. وإذا كان ديننا ينهانا عن المساس بآلهة غيرنا وسبهم فنريد منهم أن يعاملونا بالمثل فلا يتعرضوا لديننا ونبينا وكتاب ربنا.

ويجب على المسلمين كافة وبخاصة الحكومات أن يوضحوا لهم ذلك. وأن يعلموا أنَّ أي إثارة لغيرة المسلمين على دينهم ستكون شرارة تحرق الأخضر واليابس وتهدد السلام والأمان للشعوب جميعها. ومما يحق لنا أن نفخر به أن إعلامنا بجميع أنواعه وقنواته المسموع والمرئي والمكتوب ينأى بنفسه عن إثارة الأحقاد وسب الأديان وإهانة الآخرين في معبوداتهم وعقائدهم.. وإعلامنا في ذلك يهتدي بما وجه إليه كتاب ربنا الذي نهانا عن كل ذلك.. وأمرنا بالعدل والإنصاف قال الله تعالى{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} سورة المائدة (8).

وإذا كنا نفخر بإعلامنا النزيه فإننا نفخر بديننا الذي به عزنا في الدنيا والآخرة، وهو مصدر الأمان والسعادة ومنبع الخير والرشاد ليس لنا وحدنا، ولكنه كذلك للإنسانية كلها.. ومساكين هم أولئك المتعصبون في الغرب فإنهم لا يعلمون أن دين الإسلام خير لهم ولشعوبهم وفيه ما يدعو إلى حمايتهم وحفظ كرامتهم لو أنهم حكَّموا العقل ونبذوا الحقد واستعلوا على شهواتهم.. فهل لهم أن يفقهوا ذلك ليسعدوا ويسعد معهم العالم جميعاً؟!!




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد