يؤكد العرب دائماً أنهم دعاة سلام، شريطة أن يكون هذا السلام عادلاً وشاملاً. وتمثل ذلك في المبادرة السعودية التي تحولت إلى عربية في مؤتمر القمة العربي ببيروت عام 2002م، كما تمثل ذلك في توجه العرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية لحضور مؤتمر أنابوليس للسلام الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي جورج بوش.
وفي المقابل تؤكد إسرائيل بالأقوال والأفعال أنها داعية حرب وافتراس وغير آبهة بأية مواثيق تعقدها مع العرب. ويمكن التذكير بأن عدداً من مسؤوليها الكبار كرئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني تنصلوا من اتفاقية أنابوليس التي وعد أطرافها بتحقيق السلام وإقامة دولة فلسطينية قبل نهاية العام الجاري. بل إن الإسرائيليين كثفوا عمليات الاستيطان بعد الاتفاقية، وبعد ذلك قاموا بقصف غزة براً وجواً وقتلوا الشيوخ والنساء والأطفال لتحويل غزة إلى محرقة.
والمشكلة الحقيقية أن المجتمع الدولي أظهر قدراً كبيراً من التساهل مع هذه الدولة المعتدية التي لم تجد رادعاً يوقف جرائمها المتكررة. بل إنها تنعم بالحماية الدولية وخاصة الأمريكية، والتغطية على اعتداءاتها وتبرير جرائمها. وبعدما قتلت إسرائيل ما لا يقل عن 120 فلسطينياً خلال خمسة أيام زارت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس المنطقة لتعطي تبريراً فاضحاً للاعتداءات الإسرائيلية معللة تلك الاعتداءات بأنها دفاع عن النفس، وملقية كامل اللوم على الطرف الفلسطيني باعتباره المعتدي. هذا المنطق الغريب -مع الأسف الشديد- هو الذي يضع العقبات أمام الحلول لمشكلات الشرق الأوسط، ويعمل على إدامة الاحتلال. ولا شك أن مما جرَّأ الإسرائيليين على التنكيل بسكان غزة هو الانقسام الفلسطيني، الذي حول الفلسطينيين إلى مجموعة من الفرقاء الضعفاء، حتى أصبحوا لا يتوانون عن حمل السلاح في وجه بعضهم بعضاً عند أقل احتكاك. ولا يمكن أن نتوقع من إسرائيل أن تكون أرحم بالفلسطينيين من أنفسهم بأنفسهم. ولا يمكن أن ينالوا حقوقاً إلا إذا توحدت صفوفهم، ووضعوا خلافاتهم جانباً للتفرغ للعدو الحقيقي المتمثل في الكيان الإسرائيلي. فالفلسطينيون اليوم بحاجة ماسة إلى حوار داخلي شامل يعيد ترتيب البيت الفلسطيني، وفقاً لما اتفقوا عليه في مكة المكرمة عندما حضروا إليها تلبية لنداء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وقطعوا عهداً على أنفسهم بأن يكونوا صفاً واحداً وينبذوا الاقتتال فيما بينهم.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244