يخطئ كثيراً من يعتقد أن مشكلة عدم توفر أسرة في مستشفياتنا الحكومية ستنتهي بإقرار نظام التأمين الصحي الذي طال انتظاره بسبب عدم قدرة القطاعين الحكومي والخاص على استيعاب ملايين المراجعين ونخطئ دائماً في توقعاتنا كما هو الحال في خططنا المستقبلية إذا قلنا إن السبب في عدم وجود أسرة كافية تغطي آلاف المراجعين لهذا المشفى أو ذاك هو بسبب (معالي الوزير).
الحقيقة أننا أمام أرقام مهولة في النمو السكاني الذي تشهده بلادنا عاماً بعد عام وهو ما يستلزم رؤية استشرافية محكمة تطمئننا على مستقبل الوضع الصحي للأجيال القادمة.
مشكلتنا غير أننا عاطفيون.. نبحث عن شخص نرمي بأخطائنا وهمومنا عليه فإذا ما حل وباء بالإنسان أو الحيوان أول ما يتبادر للذهن صورة المسؤول.
ترى كم مرة تبادر إلى ذهنك وعلق في مخيلتك صورة وزير الزراعة بعد ظهور الحمى القلاعية أو نخالة الإبل التي أدت إلى نفوق عدد كبير منها أو أنفلونزا الطيور ترى كم مرة عشعش في رأسك صورة وزير الصحة بعد انتشار مرض التهاب السحايا الذي أصاب عدداً من المواطنين في حفر الباطن أو أي خطأ طبي فادح أودى بحياة إنسان حتى عدم وجود أسرة شاغرة.. نلقي بتبعيتها على الوزير.
نعم يجب أن تعترف أن كل مستشفى يضم عدداً محدوداً من الغرف والأسرة الشاغرة تكون للحالات الاستثنائية والخاصة للوجهاء مثلها مثل مقاعد الطائرات والقطارات فهل لو أعطيت للمراجع ستنتهي المشكلة وتتلاشى طوابير الانتظار اليومية.
نحن أمام تحولات فكرية ونفسية وبشرية وتقنية كبرى إذا ما وضعنا الأمور في نصابها الحقيقي وتحملنا مسؤوليتها فإن أجيالنا ستتجرع مرارة التخبط والمعاناة بشكل أكبر.. هذه التحولات من غير المعقول أن نرمي بها على شخص أو مسؤول أياً كان موقعه. بل إنه من الخطأ أن نحملها فردا واحدا حتى لو كان وزيراً، دعوني أضرب مثلاً في أقرب حادثة عالقة في الأذهان وهي خطف المواليد من المستشفيات، أليست هذه الحوادث غريبة ومثار تساؤل فيمن يقف خلفها؟! أليس في ذلك تحول فكري أيدلوجي على مجتمعنا؟ لماذا لا نتعامل معه على هذا النحو وذلك بدراسة علمية مؤطرة؟ لماذا نلجأ إلى أبسط وأقصر الطرق ونلقي بهمومنا عليها وهي (إدارة المستشفى)؟!! ألم أقل إننا ننقاد للعاطفة عندما حمل الكثير منا الخطأ على إدارة المستشفى الذي خطف منه الرضيع! إن عدداً من القرارات والدراسات التي يصوغها مسؤولو الوزارات هي لمواجهة الأزمات وتهدف لمصلحة المواطن، لكن هذه القرارات تحتاج إلى متابعة وحزم في التطبيق، فوزارة الصحة مثلاً أرادت أن تحل أزمة الأسرة عندما وجه وزيرها الدكتور حمد بن عبدالله المانع بسرعة التعامل مع الحالات الحرجة وتقديم الحالات الإسعافية التي تتطلب نقلها إلى مستشفيات القطاع الخاص خلال أقل من ساعة وأن تتولى المستشفيات الحكومية الاتصال والتنسيق ونقل هذه الإجراءات بدون أن يطلب من المريض التنقل من مستشفى لآخر؛ بحثاً عن سرير لمريضة أو حضانة لمولودة وفقاً لآلية أكثر من رائعة تتمثل في تفعيل مكاتب التنسيق الطبي بالمديريات بجميع المناطق بحيث تعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة وتحديد منسق طبي لكل مستشفى وربط ذلك المكاتب بمكتب التنسيق المركزي بإدارة الطوارئ بالمنطقة وعند طلب الإفادة عن توفر سرير لنقل حالة حرجة فينبغي الرد خلال ساعة على الأكثر بالفاكس وضرورة الالتزام بذلك.. ليحلوا الحديث عن متابعة التطبيق لاحقاً.