Al Jazirah NewsPaper Friday  07/03/2008 G Issue 12944
الجمعة 29 صفر 1429   العدد  12944
(الجزيرة) تفتح الملف وتكشف مسؤولية فرسان المنابر (1-4)
منبر الجمعة في مواجهة التكفير والإرهاب

الجزيرة - خاص

لمنبر الجمعة دوره في حماية المجتمع وخصوصاً الشباب لمواجهة الفكر الإرهابي والتكفيري، ولتحصين الأجيال الجديدة من أخطار هذا الفكر وتداعياته، وكان للخطباء دورهم في التوعية والتوجيه والإرشاد، وكشف أباطيل الفئة الضالة، وشرورهم وأعمالهم الإجرامية وتوعية المصلين من الشعارات الكاذبة التي يحاول هؤلاء التسويق لها.

ولأهمية منبر الجمعة في كشف مخططات الفئة الضالة الإجرامية، والدور الكبير الذي يقوم به من يرتقون المنبر، والمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم تفتح (الجزيرة) ملف دور فرسان المنابر في مواجهة الفئة الضالة ضمن إستراتيجية مواجهة التكفير والغلو والإرهاب.

****

الوقفة القوية والصادقة

بداية يؤكد الشيخ عبدالعزيز بن محمد الحمدان (إمام وخطيب جامع الأمير عبدالله بن محمد بالرياض): إن الإرهاب ظاهرة دخيلة على بلادنا المباركة، وقد كان لخطباء الجوامع عامة وخطباء الحرمين الشريفين خاصة، فمنبر الحرمين كان من أوائل المنابر التي وقفت وقفة صادقة واضحة حازمة مع الأعمال الإرهابية، وكان ذلك واضحاً جلياً في اختيار الخطب بما يتناسب مع ما تمر به البلاد من أحداث، فالبيان والإنكار والتوضيح يكون بعد الحدث مباشرة، وفي هذا منهج شرعي بعدم تأخير البيان وعن وقت الحاجة وتنبيه للأمة عن كل خطب في حينه، وهكذا كان تعامل خطباء الحرمين وأكثر الخطباء مع كل حدث يمر بالأمة، مع ما يكون من توجيه وموعظة وإرشاد طوال العام، وإنما كان التأكيد على موضوع الإرهاب والتكفير في هذه الأوقات بالذات لأن الأمة تمر بنازلة، فالواجب إعطاؤها حقها من النصح والموعظة في وقتها، وكانت العبارات التي يستخدمها الخطباء في خطبهم عن هذه الأحداث واضحة جلية صريحة حازمة، وكان الإنكار لتلك الأعمال المشينة بأشد العبارات ليتضح مدى الجرم الذي وقع فيه أصحاب الإرهاب وليحذر من في قلبه مرض ممن يتعاطف معهم أو يؤويهم أو يؤيدهم، ولينتبه الجميع إلى خطرهم الكبير وشرهم المستطير وآثارهم السيئة على الفرد والمجتمع.

إن خطبة الجمعة وسيلة مهمة من وسائل الإرشاد والتقويم والتذكير حيث إنها معنية بمخاطبة مجموعة كبيرة من الناس في يوم مخصوص وساعة مخصوصة، فهم يتفاوتون في مستوياتهم الإيمانية والعقلية والفكرية والثقافية والسلوكية ويتباينون كذلك في الالتزام والتقوى والاستجابة والتأثر بما يقوله الخطيب، زد على ذلك تعدد المشكلات وتنوع القضايا التي يطرقها الخطيب في كل جمعة، وكما أن خطبة الجمعة فرصة ثمينة له تتكرر مرة كل أسبوع، للتأثير على ذلك العدد الضخم من الناس الذين يأتون راغبين غير مجبرين ولكل ذلك وجب على كل خطيب أن يجتهد في إعداد خطبته وتنقيتها وتجويدها حتى تحقق أهدافها المرجوة ومما يزيد في أهميتها أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قد جعل الإنصات للخطيب شرطاً لقبول صلاة الجمعة من المصلي.

كما يجب على الخطباء الحرص على تأليف القلوب ووحدة الصف المسلم والبعد عن كل ما يفرق الأمة ويثير الفتنة وأن يجعلوا المنابر هداية ورشد وتوجيه الناس لما ينفعهم ويقع في دائرة اهتمامهم ولا يخرجون إلى موضوعات لا تفقهها العامة أو لا تهتم بها.

كما أن على خطباء الجمعة مسؤولية مضاعفة في الحرب ضد الإرهاب واجتثاث جذوره، وللأسف يعمد بعض خطباء الجمعة للأسلوب الحماسي الناري الذي يثير الشباب خاصة ويثير جراحهم بجراحات العالم الإسلامي الذي بلا شك يتعرض للظلم والعدوان، ولكن وبهذا الأسلوب الحماسي يدفع هذا الخطيب الشباب المراهق للجبهات بدون علم ولا فقه للجهاد والحرب ولو طلب من هذا الخطيب أن يذهب بنفسه أو أن يرسل أولاده لرفض، كما أن بعضهم لا يتعرض للأحداث الإرهابية والأعمال الإجرامية والإفسادية لا من قريب، ولا من بعيد، وتجده يتحدث في خطبته عن أمور بعيدة جداً عن الأحداث المؤلمة، وكأن الأمر لا يعنيه، كما ينقص خطبهم الدعاء لولي الأمر والدعاء على الفئة الضالة والدعاء لرجال الأمن بالحفظ حتى تكون جبهة داخلية قوية وحرب نفسية على أفراد الفئة الضالة والمتعاطفين معهم، وهؤلاء الخطباء هم- ولله الحمد- قلة والكثير فيهم الخير والبركة.

فيجب على خطباء الجوامع خاصة وعلى أفراد المجتمع عامة أن يكونوا عيوناً ساهرة ويداً واحدة في الحفاظ على دين الأمة وأمنها واستقرارها ومكتسباتها، والإبلاغ عن كل متورط أو داعم لهذه الأعمال الإجرامية والأفعال التخريبية حفاظاً على سفينة المجتمع من قراصنة العنف والإرهاب والتكفير وسماسرة التخريب والإرهاب والتفجير فلم يعد يجدي الصمت والتغاضي لا بد من الحزم في اجتثاث جذوره والقضاء على فيروسه وجرثومته القاتلة وتجفيف منابعه.

الوقوف في وجه

التيارات المعادية

ويوضح الشيخ فواز بن عقيل الجهني (إمام وخطيب جامع ابن الجوزي بمدينة تبوك): أن محاربة الإرهاب والتطرف، والفكر الضال المنحرف يكون من خلال اتجاهين:

الأول: الاتجاه الوقائي وهو يتمثل في بث الفكر الصحيح، والمعتقد السليم، والمنهج القويم.

الثاني: الاتجاه العلاجي، ويتمثل في عرض الشبهات والآراء الفاسدة والأفكار المنحرفة، ثم تفنيدها بصورة كاملة، واجتثاثها من أصولها، ويناط ذلك بالخطباء المميزين علمياً وفكرياً.

كما يجب على الخطيب بذل الجهد في عرض الخطب المتعلقة بمحاربة الفكر الضال من حيث الأسلوب، واختيار المفردة، وانتقاء العبارة، والقوة في الطرح، والتنويع في عرض الموضوع، فمرة من خلال الطرح المباشر وأخرى من خلال ترسيخ المنهج الصحيح، وثالثة من خلال الوقوف عند بعض الآيات والأحاديث وأقوال السلف التي تطرح في مواضيع أخرى ويمكن ربطها وإيجاد الصلة بينها وبين معالجة هذا الفكر الضال.

ولقد بذل خطباء الجمعة جهوداً عظيمة في مواجهة الفكر الضال، والمنهج المنحرف الذي تبناه فئة قليلة ممن فارقت الجماعة، وشقت عصا الطاعة، وافتاتت على ولاة الأمر حكاماً وعلماء، فتنكبوا بذلك سنة سيد المرسلين وخالفوا هدي السلف الصالحين، وابتغوا غير سبيل أهل السنة والجماعة سبيلا، فهم في غيهم سادرون، وفي ضلالهم منغمسون، فصرفوا عن الحق الواضح فإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً فهذا المنهج المنحرف لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة، ولا يرعى لمسلم ديناً ولا حرمة، فبشبه لا تنطلي إلا على من قلّ علمه، ولا تروج إلا عند من نزر فقهه، استحلوا الدماء وانتهكوا حرمة الأنفس المعصومة، منادين على أنفسهم بالجهل الذريع بمقاصد الدين، وكاشفين للناس بُعدهم عن منهج سيد المرسلين الذي عظم أمر الدماء المعصومة، والأرواح التي بالحق محفوظة مصونة.

وقد تمثلت تلك الجهود في بيان ضلالهم، وكشف شبهاتهم، وتعرية دعاواهم، والتشنيع عليهم وعلى أولئك الذين يتعاطفون معهم، أو يسوغون لهم، أو يصححون منهجهم، ونصحوا أولئك المتعاطفين بالكف عن ذلك وإلا شاركوهم في باطلهم، وقاسموهم في فسادهم، وتحملوا مثل أوزارهم، كما تمثلت جهود الخطباء في بيان المنهج الصحيح، والمعتقد السليم الذي اتخذ من منهج النبي- صلى الله عليه وسلم- منهجاً، ومن طريق السلف الصالح طريقاً، فعلى ضوء هذا المنهج المتزن يكون فهمهم لنصوص الوحيين الشريفين، ومن خلال فهم السلف الصالح تكون معالجتهم للنوازل، وتعاملهم مع الأحداث.

قضايا النوازل

ويرى الدكتور إبراهيم بن يحيى عطيف (إمام وخطيب جامع الحوازمة بمحافظة أحد المسارحة بمنطقة جازان): أن منبر الجمعة له دور عظيم في تبصير الناس بأمور دينهم وسلامة عقيدتهم وحسن عبادتهم لربهم وسلامة تعاملاتهم ومعرفة حقوق ولاة أمرهم، كما أن للمنبر رسالة يجب أن تؤدى على خير وجه في علاج قضايا الناس الواقعة في مجتمعهم، والنوازل التي تستجد في حياتهم، ومعالجة الظواهر التي قد تظهر على خلاف ما يجب أن يكون عليه المجتمع المسلم.

ولقد كرم الله تعالى بني آدم بالعقول ووجههم إلى أعمالها في التفكير في آيات الله، والاستدلال بمخلوقاته على عظمته، ومعرفة النفع من الضرر، والخير من الشر.

ولهذا حرم الإسلام الاعتداء على العقل سواء أكان هذا الاعتداء حسياً بتناول أو تعاطي ما يذهب العقل أو يضعفه، أو كان الاعتداء معنوياً كمطالعة أو قراءة ما يشوش على المسلم اعتقاده، أو بأعمال العقل فيما يضر بالتفكير السليم.

والفكر المتطرف والإرهابي هو في الحقيقة عدوان على العقول السليمة، وانتكاس للفطرة المستقيمة، يغرس في الأذهان فتصبح فريسة لكيد الشياطين من الأنس والجان، وتتجاهل كل داع إلى الخير والإيمان.

ومن هنا تأتي أهمية دور منبر الجمعة في معالجة هذا الفكر السقيم، وما ينشأ عنه من منطق عقيم، وفعل أثيم، وتأتي هذه المعالجة من خلال الخطب الواضحات، والمواعظ المتتاليات التي يتناول فيها خطيب الجمعة شؤم هذا الفكر وأخطاره، وعواقبه الشنيعة وأضراره، وما يهدف إليه أصحاب ذلك الفكر التكفيري المتطرف من إبعاد المسلمين، وشبابهم خاصة، عن المنهج الوسط في الاعتقاد والقول والعمل، بما يثيرونه من الشبه الباطلة فيحرفون نصوص القرآن والسنة، ويؤولون أقوال أهل العلم، وينزلون الأدلة على غير حقيقتها، وقد يصادف فعلهم ذلك قبولاً عند صاحب عقل ضعيف، أو ذي جهالة وضعف علم، أو راغب في الخير ولا يعرف الطريق الصحيح الموصل إليه، فيصبح أمثال هؤلاء أدوات منفذة لمرامي ومقاصد أولئك المتطرفين في أفكارهم والكاذبين في أقوالهم، والآثمين المعتدين في تصرفاتهم وأفعالهم.

محاربة الفكر المتطرف

ويعتقد د. عطيف أن عدداً كثيراً من الخطباء قد أولوا قضايا الإرهاب والتكفير قدراً كبيراً من الاهتمام وخصصوا الكثير من خطبهم ومواعظهم لفضح أعمال الإرهابيين والتكفيريين وتحذير المسلمين من مكرهم ووجوب الوقوف في وجوههم صفاً واحداً مع ولاة الأمر ومع علمائنا الموثوق بهم.

ولكن مع ذلك فإن هذا الاهتمام أقل من المطلوب، وهو بحاجة إلى مزيد من عناية الخطباء والدعاة، خاصة وأن هذا الفكر لا يزال تنبت له بعد كل فترة نابتة، وتفجعنا بعد حين وآخر أنباء مؤامرة كانوا قد خططوا لها، ولكن يكشف الله سترهم ويبطل كيدهم، ويكتب لرجال الأمن التوفيق في فضح خططهم قبل أن يحين أو إن إنفاذها- فلله الحمد والمنة-، وبارك الله كل جهد مخلص يسعى لحماية هذا الدين العظيم وهذا الوطن المعطاء في ظل هذه القيادة الراشدة.

ومعالجة الفكر التكفيري تستدعي التركيز على جذوره ليتم استئصالها واجتثاثها حتى لا تنشأ لها فروع، ولا تنبت فيها نابتة، وهذا هو ما يحرص الخطباء على القيام به، وهو ما تتضمنه التوجيهات التي تأتي دائماً من القائمين على وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد إلى الأئمة والخطباء.

ولكن ولا شك يختلف الخطباء في قوتهم الإعدادية ومكانتهم البيانية، ومستوياتهم العلمية، وبالتالي يتفاوت التركيز في تلك المعالجة على اجتثاث الفكر التكفيري، ومن ثم تختلف الآثار وتتفاوت النتائج المترتبة على تلك المعالجات.

ومن ثم فإن قضية محاربة الفكر المتطرف كان للدعاة دورهم الكبير فيها وكثير من الخطباء قد أولوا هذه القضايا قدراً كبيراً من الاهتمام، وهذا يعني أن التقصير إن حصل فهو من بعضهم لا من الكل، وعليه فإن اتهام عموم الخطباء بأنهم لم يعطوا هذه القضايا الأهمية في خطبهم اتهام جائر -في نظري- ثم إن الخطيب لا يمكن أن يخصص خطب عام كامل مثلاً للحديث في موضوع واحد وإن تعددت عناصره وكبرت أهميته لأنه مطالب بأن يتحدث عن مناسبات عدة تأتي في العام من بداية عام دراسي مثلاً، ودخول رمضان، وموسم الحج، وموسم امتحانات، بالإضافة إلى ضرورة معالجة بعض الظواهر الأخرى التي يرى أن المجتمع -المحيط بالجامع الذي هو فيه محتاج للكلام عنها.

ومع ذلك فإن هذه القضايا - أي قضايا الفكر المتطرف والتكفيري الإرهابي- مهما أعطاها الخطباء من الاهتمام فإن ما يقومون به يبقى أقل مما يجب أن يعطى لها، ولهذا أدعو نفسي وإخواني خطباء المساجد وفرسان المنابر أن يعلموا أن مهمتهم نوع من الجهاد وهو جهاد اللسان، وأنهم مؤتمنون فيما أوكل إليهم وعليهم أن يخلصوا في أداء هذه الأمانة، وعليهم كذلك أن يعلموا أنهم ببيانهم لخطورة هذا الفكر وبعلاجهم لهذه القضايا -يؤدون واجباً دينياً وعملياً، وأخشى عليهم أن يحملوا شيئاً من ذنب كل معتنق لهذا الفكر إن لم يجد في خطبهم ما يحميه منه ويمنعه عنه.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد