Al Jazirah NewsPaper Friday  07/03/2008 G Issue 12944
الجمعة 29 صفر 1429   العدد  12944
توسعة أوروبا أم توسع بوتن؟
كرزيستوف بوبنسكي

من بين حسنات سور برلين أنه كان يعين بوضوح الحد الذي تنتهي عنده أوروبا. أما الآن فقد تحولت مسألة حدود أوروبا إلى مادة للنِقاش في الاتحاد الأوروبي. إن التهديد الأخير الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بتوجيه صواريخه نحو أوكرانيا يسلط الضوء على المخاطر التي تتهدد أوروبا في المحصلة النهائية لهذه المناقشة.

بعد انهيار السور في العام 1989 اضطر المسؤولون في المفوضية الأوروبية إلى نفض الغبار عن الأطالس الجغرافية بحثاً عن معلومات عن أماكن لم يعرفوا عنها من قبل ولم يهتموا بها إلا قليلاً. ويذكر ليون بريتان، المفوض الأوروبي آنذاك ونصير التوسعة، أن بعض المسؤولين والدول الأوروبية كانوا يتمنون لو يتم الحفاظ على خط ما قبل 1989. وكان هؤلاء يرون أن التوسعة ذهبت إلى أبعد مما ينبغي، حتى بالنسبة للدول الاسكندنافية ودول الألب. ولم يعلن الاتحاد الأوروبي رسمياً أن التحاق بلدان الكتلة السوفييتية سابقاً بعضويته ربما يشكل هدفاً بعيد الأمد إلا في العام 1993.

واليوم لم تعد المناقشات الدائرة بشأن حدود أوروبا محصورة في الدوائر الرسمية أو مراكز البحوث. ففي منتصف العام 2005، رفض الناخبون في فرنسا وهولندا المعاهدة الدستورية التمهيدية للاتحاد الأوروبي، فكان رفضهم لها مدفوعاً جزئياً بتخوفهم من أن تكون التوسعة أسرع مما ينبغي وأبعد مما ينبغي. وطبقاً لتعبير أحد أساتذة الجامعة في هولندا: (نحن لا نريد أن يقرر الرومانيون بالنيابة عنا كيف ينبغي لنا أن ننظم حياتنا).

وقع عدد كبير من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة الطامحة إلى الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي ضحية لهذا التردد المرتاب. ورغم نجاح ليتوانيا ولاتفيا واستونيا، وهي البلدان التي ضمها الاتحاد السوفييتي في العام 1940، في الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي في غفلة من الرافضين في العام 2004. إلا أنها بلدان صغيرة وتقع على حدود الاتحاد الأوروبي مباشرة. أما أوكرانيا فهي دولة ضخمة، وجورجيا تقع في منطقة القوقاز بعيداً عن الاتحاد الأوروبي. ثم هناك بيلاروسيا، التي يتشبث حاكمها ألكسندر لوكاشنكو بالحكم الاستبدادي.

كانت أوكرانيا، التي يبلغ تعداد سكانها 47 مليون نسمة، تعتبر نفسها مرشحاً محتملاً لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ العام 2004، حين أرغمت الثورة البرتقالية حكام الدولة على احترام القواعد الانتخابية. ومنذ ذلك الوقت شهدت أوكرانيا انتخابات وطنية حرة ونزيهة مرتين.

على النقيض من حكام روسيا، نجح الساسة في أوكرانيا، مثل الرئيس فيكتور يوتشينكو ورئيسة الوزراء يوليا تيموشينكو، في البرهنة على حرصهم على الانفصال عن الماضي الشيوعي. فضلاً عن ذلك فإن زعماء عالم التجارة والأعمال في أوكرانيا، مع إدراكهم لمصير القِلة الروسية تحت زعامة بوتن، ينظرون إلى عضوية الاتحاد الأوروبي باعتبارها وسيلة لإضفاء الشرعية على ثرواتهم وصد المنافسين الروسيين. ولا يكتفي بارونات المال في أوكرانيا بالرغبة في تنمية إمبراطورياتهم تحت مظلة الأمان التي توفرها سوق حرة شرعية، بل إنهم يرغبون أيضاً في الاستثمار في الاتحاد الأوروبي.

ولكن بينما أتقن أهل النخبة السياسية في أوكرانيا فن حمل الناس على انتخابهم ديمقراطياً، إلا أنهم لم يتمكنوا من زمام الحكم الفعلي. فما زال التأثير الروسي قوياً، وخاصة في المنطقة الشرقية من أوكرانيا، وما زال جهاز الدولة ضعيفاً في أوكرانيا بصورة عامة. إن أوكرانيا في حاجة إلى الانضباط الذي قد تفرضه عملية الاقتراب من عضوية الاتحاد الأوروبي؛ وبالتالي الوعد بالالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي إذا ما كان لها أن تنجح في تطبيق الإصلاحات المطلوبة على نحو فعّال.

إلا أن الأمر مختلف في بيلاروسيا. فما زال أغلب سكانها الذين يبلغ تعدادهم عشرة ملايين نسمة يشعرون بخوف شديد من السوق الحرة إلى الحد الذي يجعلهم على استعداد لتجاهل المعارضة الديمقراطية للرئيس لوكاشينكو. ولسوف يظل هذا الوضع قائماً ما دامت الطاقة الرخيصة القادمة من روسيا تتخذ هيئة المعونة الاقتصادية في الواقع الفعلي. إلا أن الوضع اختلف الآن كثيراً بسبب أسعار الطاقة التي ارتفعت إلى عنان السماء، وفي ظل الصدمات التي يواجهها اقتصاد بيلاروسيا، والتي قد تؤدي إلى تحريك الاضطرابات وتهديد حكم لوكاشينكو ذاته.

مع شعور لوكاشينكو بالخطر، بدأ في التودد إلى الاتحاد الأوروبي، في محاولة لموازنة ما يعتبره صدعاً متنامياً في العلاقات بينه وبين الكرملين. كما بدأت الحكومة في بيلاروسيا في استكشاف احتمالات تأمين احتياجاتها من النفط من أوكرانيا إذا ما قطعت روسيا الإمدادات عنها. بيد أن لوكاشينكو لم يظهر أي علامة تشير إلى استعداده لتغليب الصبغة الديمقراطية على نظامه، ناهيك عن الإفراج عن المعتقلين السياسيين.

إذا قرر الاتحاد الأوروبي أن يستمر في تعطيل احتمالات التحاق أوكرانيا وبيلاروسيا بعضويته ذات يوم، فسوف ينزلق البَلدان إلى حالة من التيه السياسي الذي قد يهدد الأمن على الجناح الشرقي لحدود الاتحاد الأوروبي.

إن تقاعس الاتحاد الأوروبي عن تشجيع الطموحات الأوروبية في أوكرانيا يهدد بتحررها من وهم الغرب. وهذا من شأنه أن يعزز من موقف روسيا في أوكرانيا، حيث يشجع الكرملين بصورة ثابتة على العودة إلى الجذور السلافية، ويحذر من التودد إلى الغرب الذي لا يريد أوكرانيا.

في حالة سقوط نظام لوكاشينكو فقد يصبح من الممكن تعزيز المعارضة الديمقراطية من خلال الوعد بالدعم من جانب الاتحاد الأوروبي. وإلا فقد تتمكن روسيا من استخدام وكلائها في بيلاروسا لتنصيب إدارة جديدة تحاكي أسلوب بوتن في الحكم.

منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، نضج جيل جديد في كافة أنحاء المنطقة. ويشعر الشباب في الدول الأعضاء الجديدة في الاتحاد الأوروبي بأنهم مواطنون في قارة تنعم بالرخاء والأمن. وفي بولندا ساعدت أصوات الشباب في الخريف الماضي في تغيير الحكومة التي هددت ميولها الاستبدادية ومواقفها المناهضة للأجانب بعزل بلدهم.

وإلى الشرق من بولندا أيضاً نشأ الشباب في عالم ما بعد الحكم السوفييتي. ففي أوكرانيا كان الشباب الذين شاركوا في الثورة البرتقالية هم الذين رفضوا العودة إلى الماضي. ولكن مع اضمحلال الآمال في التكامل مع الغرب تنمو مشاعر العزلة والاستبعاد. ويكمن الخطر هنا في ميل الشباب إلى تعزيز الأساليب الاستبدادية في بيلاروسيا وأوكرانيا، على غرار الأساليب التي باتت سائدة الآن في روسيا تحت زعامة بوتن.

إن القضية المطروحة الآن في الحوار الدائر بشأن توسعة الاتحاد الأوروبي نحو الجمهوريات السوفييتية السابقة في الشرق تتلخص في التالي: هل ستتمكن القيم الغربية من ترسيخ جذورها في تلك البلدان، أم هل تنجرف إلى منطقة رمادية، حتى تشكل إن عاجلاً أو آجلاً تحدياً للقيم الديمقراطية (الأوروبية)؟.

الحقيقة أن مخاوف أستاذ الجامعة الهولندي الذي يخشى أن يبدأ الرومانيون في تنظيم حياته قد تعكس في حد ذاتها أن رومانيا تشهد تغييراً واضحاً الآن نتيجة لالتحاقها بعضوية الاتحاد الأوروبي. إن رفض أي توسع جديد نحو الشرق يعني أن البلدان الواقعة خارج حدود الاتحاد الأوروبي سوف تبدأ عند نقطة ما في تهديد القيم التي يحرص الاتحاد الأوروبي على إعلائها.

كرزيستوف بوبنسكي يتولى إدارة جمعية (يونيا بولسكا) Unia الجزيرة Polska،
وهي منظمة غير حكومية تتخذ من وارسو مقراً لها.. كما عَمِل مراسلاً لصحيفة فاينانشيال تايمز في وارسو لعدة أعوام.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008.



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد