عبد الحفيظ الشمري
ضمن الفعاليات المنبرية لمعرض الكتاب لهذا العام قدم السفير الدكتور شيوجري هيروشي ورقة عمل حول تاريخ تطور العلاقة بين اليابان والعالم العربي.
قدم الدكتور إبراهيم القرني مدير المحاضرة سيرة ذاتية عن الدكتور شيوجري الذي أشار إلى أن الضيف تسنم العديد من المناصب الإدارية، فقد اهتم بالعلاقات الإنسانية بين العرب واليابان، فقد درس الضيف اللغة العربية نظرا لعمله في العديد من الدول العربية. وفور انتهاء الدكتور القرني من سرد السيرة الذاتية للمحاضر بدأ ورقته على هذا النحو:
أصحاب المعالي والسعادة، وحضرات السادة الحضور الكرام.. السلام عليكم.
أولا أتقدم إلى وزارة الثقافة والإعلام السعودية بأطيب التهاني على إقامة المعرض الحافل والناجح، معرض الكتاب الدولي بالرياض. كما أتقدم إليها بالشكر الجزيل على الدعوة التي تكرمت بتوجيهها لي ولزملائي لزيارة المملكة الموقرة للمشاركة في هذه الندوة.
ولكوني مواطنا يابانيا أعرب عن تقديري وامتناني لهذه المبادرة التي تفضل بها الجانب السعودي بحسن النية والموقف الإيجابي، التي تبلورت في إقامة هذا المنتدى الثقافي. وإنني على ثقة تامة بأن مثل هذا الملتقى الثقافي سوف يسهم بشكل إيجابي في تعريف اليابان وتقديم صورتها بشكل أوضح لأصدقائنا في المملكة والعالم العربي، مما يؤدي إلى مزيد من توسيع آفاق التعارف وتعميق التفاهم ليس فقط بيننا اليابانيين وأصدقائنا السعوديين فحسب بل، وبين اليابانيين وبين أصدقائنا العرب عامة.
وفي هذه المناسبة وبصفتي يابانيا درس اللغة العربية وتعامل مع الأصدقاء العرب منذ أكثر من 45 سنة وعاش أكثر من نصفها في البلدان العربية، أود أن استعرض معكم ملخص التاريخ لتطور اهتمام اليابان بالعالم العربي. وأرجو أن نستفيد من دروس الماضي ونستنتج تصورا - ولو كان متواضعا - نحو علاقات أفضل بين اليابان والعالم العربي.
منذ أوائل القرن السادس عشر (16) بدأ يأتي الأوروبيون إلى اليابان، وأغلبهم من إسبانيا والبرتغال وهولندا بهدف التبشير بالمسيحية في البداية وبهدف التعامل التجاري أيضاً فيما بعد. ولكن ذلك الوضع في اهتمام اليابان المبدئي بالعالم الخارجي لم يتغير حتى منتصف القرن التاسع عشر (19). وذلك بسبب سياسة العزلة التي تبنتها الحكومة الإقطاعية المركزية في مطلع القرن.
في السنوات الأولى من (إصلاح Meiji) كانت اليابان تعاني من عيوب في المعاهدات والاتفاقيات المعقودة مع الدول الغربية الكبرى، التي تتضمن بنودا غير عادلة ولا منصفة خاصة فيما يخص بمحاكمة المجرمين الأجانب وفرض الضرائب والرسوم الجمركية. وبينما كانت تتفاوض مع الدول الكبرى لتسوية هذه القضايا الشائكة، حاولت اليابان أن تستفيد من خبرة مصر في التعامل مع بريطانيا التي كانت تسيطر عليها. واتصلت بزعماء مصريين بما فيهم أحمد عرابي الذي زاره في سريلانكا Tateki Tani وزير الزراعة والتجارة وهو في طريقه إلى أوروبا، وكان أحمد عرابي زعيم حركة المقاومة في مصر الذي كان بالمنفى هناك. إلا أن اهتمام اليابان الرئيسي كان لا يزال بأوروبا وأمريكا. وكان اهتمامها بالشرق الأوسط والعالم العربي يبقى محدودا وعلى مستوى غير كاف.
ولا يفوتني الذكر هنا بأن اهتمام المجتمع الياباني في ذلك الوقت كان يمتد أيضاً إلى شبه الجزيرة العربية. وفي عام 1909م قام عمر Kotaro Yamaoka بزيارة مكة المكرمة وأدى واجب الحج كأول مسلم ياباني حاج. وفي عام 1910م قام Shigetaka Shiga العالم في الجغرافيا والكاتب والسياسي أيضاً بزيارة عمان فاستقبله سلطان تيمور بن فيصل في بلاطه بمسقط. وواصل Shiga هذا رحلته من هناك إلى فلسطين مرورا بالخليج العربي والعراق.
بعدما نجحت نجاحا ما في تحديث البلاد وتقويتها اقتصاديا وعسكريا، انتصرت اليابان في الحرب مع روسيا، وهي كانت من القوى الغربية العظمى في ذلك الوقت. وذلك الحدث كان في عام 1905م، أي بعد 36 سنة من (إصلاح Meiji). ودخلت اليابان منافسة القوى الاستعمارية الكبرى في إقامة الهيمنة على منطقة آسيا. وبعد الحرب العالمية الأولى أصبحت اليابان قوة كبرى تتنافس مع القوى الكبرى الأخرى الغربية. ولكن ما زالت مراكز اهتمام اليابان تبقى على أوروبا وأمريكا باعتبارهما قوى كبرى تنافسها في الهيمنة على آسيا. وتحولت طبيعة اهتمام اليابان بالصين وجنوب آسيا والهند باعتبارها أهدافا لهيمنتها.
من جانب آخر، تم بناء مسجد Kobe في 1935م ومسجد Tokyo في 1938، وأصبح دين الإسلام دينا معترفا به في اليابان رسميا وشرعيا كما يعترف بالبوذية والمسيحية، وذلك في 1939م طبقا لقانون المؤسسات الدينية. وبهذه المناسبة، أود أن اذكر أن الشيخ حافظ وهبة، الوزير المفوض السعودي لدى إنجلترا في ذلك الوقت، قام بزيارة اليابان لحضور حفل افتتاح مسجد Tokyo في 1938م. ويعتبر ذلك بداية الاتصالات الرسمية بين اليابان والمملكة السعودية. وبالمقابل قام Masayuki Yokoyama، الوزير المفوض الياباني لدى مصر في ذلك الوقت، قام بزيارة المملكة في 1939م فاستقبله في الرياض جلالة الملك عبد العزيز بن سعود.
لكن هذا الوضع والاتجاه الذي كان يتزايد فيه الاهتمام بهذه المنطقة في المجتمع الياباني رسميا وخاصا، تعثر ذلك المسعى بشكل كبير نتيجة لهزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية في أغسطس 1945م. وتشتت مساعي وجهود المهتمين لإقرار مجال جديد للدراسات والبحث في شؤون الشرق الأوسط والعالم العربي. وكان لابد من الانتظار لعدة سنوات حتى يعود اهتمام اليابان بهذه المنطقة على نحو قوي وبصورة مختلفة في ظل ظروف مختلفة تماما داخليا ودوليا.
وردا على هذه المساعي اليابانية، تجاوب الجانب العربي بالجميل على وجه السرعة وفي غضون عدة أيام أعلنت منظمة الدول العربية المصدرة للنفط (OAPEC) أنها أدرجت اليابان في قائمة الدول الصديقة ورفعت عنها حظر التزويد بالنفط من الدول العربية. هكذا انتهت أزمة النفط الأولى بالنسبة إلى اليابان. وانطلاقا من خبرة دروسها تغيرت طبيعة المفهومات عن الشرق الأوسط والعالم العربي لدى اليابان حكومة وشعبا، وأدركت أنه يتوجب على اليابان أن تتعامل مع هذه المنطقة بالمزيد من المودة والصداقة، ليس فقط إدراكا لأهميتها الاقتصادية فحسب بل تعاطفا وتفاهما مع شعوبها، والذين يعانون - كما يعاني الشعب الياباني - من شتى مشكلات شائكة وعائقة في مسيرتهم نحو الاستقرار والتقدم والرخاء.
ومن هذا المنطلق، أصبحت اليابان منذ ذلك تسعى إلى مزيد من توطيد علاقاتها مع دول هذه المنطقة من خلال تبادل الزيارات والاتصالات على مختلف المستويات الرسمية والخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والرياضية وغيرها. كما أنها تنوي بإسهامها في مساعي دول المنطقة إلى تطوير بلادها بواسطة نقل تكنولوجيا وخبرة اليابان إلى كوادر شبابها وهم الذين سوف يقودون تلك البلدان في المستقبل. وذلك إضافة إلى مساعدات اقتصادية قدمتها اليابان وما زالت تقدمها لمشروعات تنموية في الدول غير المنتجة للنفط بما فيها فلسطين. ولعل من بين الأمثال الناجحة من التعاون الياباني مع المملكة العربية السعودية، أود أن أشير إلى معهد التعليم الإلكتروني في مدينة الرياض ومعهد تدريب الفنيين في صيانة وتصليح السيارات في مدينة جدة.
وإنني مؤمن بأن أسس العلاقات المستديمة الطيبة والحسنة بين الدول تقوم على التفاهم والتعاطف بين شعبوها. ومن أجل مزيد من توطيد وتطوير العلاقات بيننا نحتاج إلى مزيد من المساعي والجهود. ولكنني متفائل بمستقبل العلاقات اليابانية - العربية، لأن هناك لدى كل من الجانبين عددا ملحوظا من المهتمين بأصدقائهم في الجانب الآخر بحسن النية والمودة. وأعترف بأنني واحد منهم. وأؤكد لكم ولنفسي أن أواصل بذل جهود ممكنة في سبيل توطيد العلاقات بين الجانبين الياباني والعربي، وأنا من الجانب الياباني.
وفي نهاية المحاضرة وردت بعض الأسئلة التي رد عليها المحاضر حيث اقتضب في الإجابات نظرا لضيق الوقت.