في صورة إيمانية وامتثالاً للأوامر الربانية تجرد الحجيج من المحيط والمخيط وتركوا الدنيا وزينتها من أهل ومال وبنين وأقبلوا على الله بقلب واحد ولباس واحد لا فرق بين أسود وأبيض ولا عربي وأعجمي ولا غني وفقير فالوجهة واحدة والهدف الذي أتوا من أجله مشترك {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، قطعوا الفيافي والقفار والصحارى والبحار عبروا الفضاء والآفاق لماذا فعلوا ذلك أليس {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أيام مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}، بلى جاءوا ملبين لله ومهللين ومكبرين ولينثروا ذنوبهم بين يدي ربهم سائلين عفوه ورحمته وغفرانه{ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}، وحتى يعودوا من حجهم وقد تجردوا من ذنوبهم وعادوا كما ولدتهم أمهاتهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) ومن خلال متابعتي لبعض وسائل الإعلام خاصة اللقاءات التلفزيونية مع بعض الحجاج بمختلف ألوانهم وأوطانهم كانت الكلمات على ألسنتهم قد وقفت عاجزة عن التعبير على وصف ما عاشوه من غبطة السعادة وعمق الراحة، مشيدين بالخدمات التي قدمت لهم والتسهيلات التي وجدوها من ساعة وصولهم حتى إتمام كل مناسكهم وشعائرهم بكل يسر وسهولة، مبدين سعادتهم ودهشتهم بما وقفوا عليه من توسعة عظيمة ومشروعات ضخمة في المشاعر المقدسة وتسخير جميع الإمكانات وتوفير كل المتطلبات من أجل راحتهم معترفين بالفضل لله ثم لحكومتنا الرشيدة بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - وسمو ولي عهده الأمين سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - اللذين كانا في المشاعر المقدسة ووقفا على نجاح سير الحج بكل أمن وسلام كما كان لرجال الأمن البواسل دورهم المميز والمشرف الذين كان لهم دور بارز في نجاح حج هذا العام وتميزه ولم يقتصر الموقف على رجال الأمن فحسب بل بتضافر الجهود المشتركة بين جميع قطاعات الدولة التي وجدت هناك للوقوف على راحة الحجاج وليؤدوا مناسكهم في جو إيماني تكسوه الطمأنينة والأمن والسكينة، ولعل جهود رجال أمن هذا الوطن المخلصين في إفشال المخطط الإرهابي في مواقع خارج مكة المكرمة والمشاعر المقدسة التي كانت ستهدف لإرباك الأجهزة الأمنية وإفشال خطط الحج هي آخر تتويج لنجاح حج هذا العام - ولله الحمد والمنة -، إن هؤلاء الذين تجردوا من معاني الإنسانية والوطنية وباعوا أنفسهم لحثالة من الحاقدين والحاسدين وسلموا عقولهم لتلك المعتقدات الهدامة التي ضللت أفكارهم وقادتهم إلى ما هم فيه وهم يتجاهلون خطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في يوم فتح مكة من ذلك المكان الذين أرادوا أن يعيثوا فيه بالفساد حين قال - صلى الله عليه وسلم - (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحدٍ قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهارٍ فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط إلا من عرَّفها ولا يختلى خلاها). فقال العباس يا رسول الله إلا الإدخر فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال (إلا الإذخر) والأعظم من هذا الحديث قوله تعالى{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
لقد كانت دعوات المسلمين على ربى تلك المشاعر الطاهرة وبمشاعر صادقة إلى الله مرفوعة أن يكون حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً وذنبهم مغفوراً وأن يحفظ الله هذا الوطن أرضاً وقيادة وشعباً ويديم أمنه وأمانة ويبارك في القائمين عليه وينصرهم ويوفقهم على جهودهم المبذولة التي عاشوها واقعاً ملموساً كانت علامات الراحة والطمأنينة بادية على نفوسهم التي بقيت وستظل ساكنة في قلوبهم ومشاعرهم وذاكرتهم تلك اللحظات كانت سعيدة بسواعد سعودية، داعين الله أن ينصر هذه الدولة ويزيدها من فضله على ما قدمته لهم وتقدمه للإسلام والمسلمين والإنسانية من خدمات جليلة عاشوها وشاهدوها ووقفوا عليها كانت هذه الدعوات متعددة اللغات ممزوجة بعبارات الشكر والتقدير للمملكة العربية السعودية قيادةً وشعباً عائدين إلى أوطانهم وديارهم وأهاليهم حاملين صورا من مشاعر الصدق عما وجدوه من كريم العناية من البداية وحتى النهاية، ناقلين ما شاهدوه من معجزة في الإنجاز الذي لا يمكن أن يتحقق في مدة قصيرة لو كان في بلد غير هذا الوطن أعزه الله ونصره.
لقد كانت حكمة الله عظيمة حين وفق الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه أن يوحد هذه البلاد تحت وطن واحد وراية وقيادة واحدة وليكن هو وأبناؤه وأبناء شعبه من بعده مهيئين لخدمة الإسلام والمسلمين على وجه المعمورة، كما ان سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - كان أكثر توفيقاً وحنكة وسياسة حين اختار صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل آل سعود أميراً لمكة المكرمة ورئيساً للجنة الحج المركزية الذي كان الرجل المناسب في المكان المناسب وبالأمس كان هو الرجل الأول في بناء السياحة الوطنية فما بالك اليوم وهو أمام أكبر سياحة عالمية عرفها الكون في كل عام.
حفظ الله هذا الوطن وأدام عزه وشموخه وبارك الله في جهود القائمين عليه من قيادة وشعباً الذين نذروا أنفسهم لخدمة الإسلام والمسلمين منذ عهد الملك المؤسس طيب الله ثراه وحتى عهد الملك الصالح المصلح - حفظه الله -.