من يعلم الطلاب علو الهمة أليس المعلم؛ فكيف بالمعلم يظهر أمام طلابه بأنه تعيس لأنه يعيش هموماً وتعباً من جراء عمله اليومي في المدرسة. كيف ينجح في زرع الطموح ويبني الهمم العالية وهو لا يملك كل ذلك لنفسه، أيظن المعلم أن مهنته خالية من التعب وأنها مهنة لا تعرف للهموم طريقاً؟ ألا يدرك بأن مهنته شاقة وفيها مصاعب ومتاعب وهو الذي قدم إليها وفي علمه كل ذلك فلماذا نسمع كثيراً من المعلمين من لا يتورع عن الصياح بالشكوى في كل مكان بل حتى أمام طلابه ثم يسأل بعض المعلمين لماذا مكانتنا هبطت ولم يعد لنا ذاك الاهتمام والاحترام الذي حظي به معلمو الأمس؟
وأنا أحيل المعلمين في البحث عن الإجابة لأنفسهم ليقفوا وقفة صدق إذا ما أرادوا صنع مكانة حقيقية لهم. إذا ما أرادوا أن يحظى بما كان للمعلمين الأوائل، فمن كان يجرؤ من المعلمين الأوائل أن يخرج بملابس الرياضة أو الملابس القصيرة إلى الأسواق وإلى الأماكن العامة، بل قولوا لي هل سمعنا بمعلم من ذاك الزمن الجميل يرسل أحد طلابه ليحضر له علبة السجائر من السيارة ليشعلها أمام طلابه وعند باب المدرسة، هل سمعتم بمعلم من زمن المعلمين الذين عشقوا عملهم في الزمن السابق يقسم بأن لا يحضر دروسه أو لا يستلم جدوله أو يقدم الاحترام والسلام لمشرفه التربوي لمادته والمشرف التربوي الذي لا علاقة له به لا يعبأ ولا يظهر له البشاشة لكونه زميلا له وشريكاً في الميدان ولو لم يكن علاقة إشرافية مباشرة تربطه به.
ودعوني أسأل ما فائدة التعليم إذا كان من يحمل همه ويقوم برسالة التربية والتعليم يفتقد كثيراً مما ينادي به ويدعو إليه وما يجب أن يتحلى به؟ أين أثر كتب التربية وأخلاقيات المهنة وقولنا (كاد المعلم أن يكون رسولا) وأن المعلم يحمل رسالة الأنبياء والرسل من منطلق أن مجتمعه كلفه بأن يربي ويعلم أبناءه؟ بالله كيف يقوم على تربية أبنائنا وتعليمهم من لا يعترف بمواثيق المهنة وأخلاقياتها وضوابطها ولا يظهر أدنى درجات الانتماء إليها أو الالتزام بتعاليمها؟ إن مهنة التعليم مهنة تسمو بصاحبها لأنها تسعى بصاحبها إلى المعالي لأنه المكلف بصناعة أجيال الغد.. ولا أخفيكم أني أشعر بأن كل موظف ينتمي لإدارة ما أو وزارة ما يظهر انتماءه لها ومن النادر أن تسمعه ينتقدها بصورة لاذعة أو عبارات غير لائقة وكم قرأنا يلتزم بنقد إدارته بالنقد البناء إلا بعض منسوبي وزارة التربية والتعليم من الذين لم تتحقق مطالبهم نجدهم يتجاوزون النقد إلى ما يجبرنا أن نضع تحت ما يكتبون خطوطاً حمراء ثم نسأل بنوع من الاستغراب والمفاجأة أيصدر هذا الكلام في الإنترنت وغيره من المعلمين الذين يفترض فيهم أن تعلو لغة الحوار والنقد وترقى لغة الخطاب عندهم وصورة النقد الذي سيسعد مسؤولي الوزارة ولا يغضبهم البتة؟ أما أن نقرأ ونسمع مالا يجوز لنا عرضه هنا يصل إلى درجة الاتهام غير المسؤول والقدح في الأفكار والحكم بالتقصير المتعمد لرجال التعليم؟ فهذه كتابة مرفوضة تماماً ولا يعقل أن تصدر من مرب أعدته الوزارة ليكون معلماً ومربياً ومثقفاً للمجتمع.
أنا لا أخفيكم إذا ما قلت إذا ما دخلت منتدى من منتديات المعلمين فإنني أخرج سريعاً لأنني أبدأ أشكك حول كوني في منتدى أعضاؤه معلمون، فاللغة لا ترقى إلى الحد الذي يجعلك تحترم قائلها والأفكار سطحية والطلبات للتحاضير تنم عن كسل غير طبيعي عند بعض المعلمين، ولا زلت أذكر كتابة لمعلم قبل 45 سنة على بداية تحضيره وقد كتبها بخط جميل تقول: قالوا لماذا تعد لدروسك كل يوم، فقلت لا أحب أن يشرب طلابي من ماء آسن. الله أكبر هذا الشعور عند هذا المعلم الذي يريد أن يشرب طلابه من ماء عذب زلال يسقى من معين المعرفة والمعرفة متجددة.
ووجهة نظري هذه لا تنسحب على كثير من المعلمين أو الواقع التي تخصصت في موضوعات التربية والتعليم ويؤمها معلمون ومربون لا تملك بعد قراءة طروحاتهم إلا أن يكثر الله من أمثالهم في ميدان التربية والتعليم.