من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن أنزل عليها كتابا حكيما فيه من الآيات والبينات ما يشفي الصدور ومن رحمته أيضا بهذه الأمة أن بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأتاه وحيا مثل القرآن ألا وهو السنة كما قال تعالى: { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه) أخرجه أحمد وأبو داود وهذا الوحي الذي هو السنة يختلف عن القرآن من جهة أننا غير متعبدين بتلاوته ولكنه يتفق مع القرآن من جهة أنه وحي من عند الله أمر الله نبيه بتبليغه كما يبلغ القرآن وقد حفظ الله السنة كما حفظ القرآن فسخر لها جهابذة العلماء الصالحين الذين نفوا عنها الوضع فكان لهم نصيب من دعوته صلى الله عليه وسلم حيث قال: (نضر الله امرءا سمع منا شيئا نبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع) أخرجه الترمذي والسنة هي ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وتقريرات سواء كان ذلك في العقيدة أو الفقه أو الفضائل أو غير ذلك فالسنة عند السلف تشمل هذه الأمور كلها وحجية السنة من أوضح الواضحات وأعظم البينات لأن طاعته صلى الله عليه وسلم لازمه في حياته وبعد مماته بما صح عنه من السنة قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، وقال تعالى: { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} والسنة مبينة ومفسرة لما جاء في القرآن توضح مجمله، وتخص عامه، وتقيد مطلقه وقد ظهر من بين المسلمين من زعم أن السنة لا حجية فيها ولكن الحجة فقط في القرآن وخالفوا في ذلك ما أجمع عليه المسلمون وأول من أظهر هذه المقالة الشنيعة هم الخوارج وتبعهم في ذلك أقوام على مر العصور وهذا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدت فيه من خلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه) أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح فالواجب الأخذ بالسنة والعناية بها لأن تركها ترك للواجب الذي أمر الله به ورسوله ويؤدي إلى ظهور البدع والمحدثات وتفشي الجهل وقلة العلم والتمسك بالعادات والخرافات التي لا دليل عليها من الشرع فالواجب علينا أن نعمل بالسنة ونقدمها على أهوائها وشهواتها وأن نهتم بها قراءة وتعلما واستجابة.
* عضو الجمعية الفقهية السعودية