لا يمل ولا يكل متطرفو الكيان الإسرائيلي من وضع العراقيل أمام عملية السلام في الشرق الأوسط وآمال استقراره وزرع مقومات الهدوء فيه، فقد أضحت القناعة الإسرائيلية بحد ذاتها والمرتكزة على التوحد بأرض فلسطين المحتلة والاستئثار بها من أكبر معوقات السلام ومهدداته؛ ففي الوقت الذي يلهج به لسان المجتمع الدولي والإنسانية جمعاء بضرورة تسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، من خلال انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967م، وإعادة حقوق الفلسطينيين لهم، وتمكينهم من العيش بكرامة واستقلالية كسائر الشعوب، في ظل هذه القناعة الدولية، تظهر علينا قناعات إسرائيل المتطرفة والأحادية التي كان آخرها ما نضح به إناء مؤتمر هرتسليا الذي تمخضت ثنايا أجنداته عن تكليف رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت للبروفسورين الإسرائيليين (عوزي أراد وغدعون بيغر) بإعداد مخطط ترحيلي للفلسطينيين لطرحه في مؤتمر هرتسليا الثامن يتماشى مع طرحه حول يهودية الدولة الإسرائيلية.

هذه المشاريع العنصرية المنتنة التي تنسف وجود أي قناعات للسلام لدى دولة الاحتلال، في ظل الحمى الدولية الباحثة لحل للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي هي بمثابة معريات وفضائح للعقل الإسرائيلي، تجعل من كل المراهنين على نية إسرائيل في السلام في خانة المقامرين بعد أن عرّتها مبادرات العرب التي قدمت كل ما يمكن تقديمه من أجل إقفال ملف الصراع وبداية صفحة جديدة من التعايش السلمي بالمنطقة، وهي المبادرات التي قضت عليها إسرائيل بتسويفها وانسياقها خلف طموحات المتطرفين وجشع المستعمرين واستراتيجياتهم الاحتلالية.

إن قناعات وطموحات العقل الإسرائيلي التي وصل بها التطرف إلى حد انتشال شعب بكامله ورميه خارج وطنه هي التي تقف عائقاً أمام إمكانية إحلال السلام في المنطقة، بل إنها حتى تتعدى ذلك إلى تعبئة الأجيال القادمة من الإسرائيليين بمفاهيم العنصرية التاريخية والتراكمية السوداء من الحقد المغلف بمعايير الوطنية المستمدة من أدبيات توراتية متطرفة انتقلت عدواها من المتدينين الإسرائليين لتصل إلى ساسة المؤسسة الحاكمة بإسرائيل.