قبل سنوات اتصل بي صديق وقال بكل حماس ولهفة: عبدالله ما تقدر تدبر لي شوية سويكة؟ فوجئت الحقيقة بالطلب فلم أتعاط السويكة في حياتي ولم يكن صديقي هذا يتعاطى السويكة والشما.
فلذت بالصمت لأنني لم أستطع تفسير الطلب.
فقال مرة أخرى: تكفى يا أبو عابد دبرنا بشوية سويكة الله يخليك .
أو حاول تشوف أحدٍ عنده سويكة .
فلاحظت أن الصديق مصر على حكاية السويكة فالمسألة جد إذاً.
فاستفسرت منه,, من متى تهتم بالسويكة؟ فقال: أجل ما سمعت الأخبار,, صدر قرار بمنع تعاطيها وبيعها في البلاد .
فضحكت فقد فهمت المقصود, فطالما أنها ممنوعة فقد أصبح لها قيمة, وهذا الشيء ينطبق أكثر ما ينطبق على الكتب, فقد كنت ومازلت أنصح الأصدقاء الكتاب الذين يطبعون كتبهم في الخارج ألا يفسحوها من وزارة الاعلام ويتركوها تباع في الخارج فهذا مدعاة للترويج لها وتسويقها داخل المملكة.
فعندما تحضر معك كتابا من خارج المملكة فرجال الجمارك يحيلونك على مندوب الإعلام ورجل الإعلام يدقق في أمرك لا أمر الكتاب لأنه لا يوجد في الدنيا من يستطيع أن يعرف محتويات الكتب كلها, لذا فقرار دخول الكتاب للمملكة يعتمد على سحنة وجهك لا على موضوع الكتاب.
الشيء المؤكد أن الكتاب يكتسب قيمته من منعه ومنع تداوله.
وأستغرب أن كثيرا من الكتاب يفوّتون على أنفسهم هذه الوسيلة الترويجية البسيطة.
فروايات القصيبي وروايات تركي الحمد تحقق أفضل المبيعات لأسباب متعددة من أهمها منعها من دخول البلاد, فمنع الشيء يكسب هذا الشيء قيمة خاصة,, فالناس حتى الواعين والمثقفين سوف يشدهم الفضول لمعرفة الأسباب التي منعت هذا الشيء أو ذاك من التداول, وتلاحظ أن أول شيء يبحث عنه السعودي في الخارج هي الأشياء الممنوعة في بلاده.
حتى فات كثير من السعوديين مشاركة العالم في السياحة الطبيعية القائمة على التثاقف والثراء الحضاري والاستمتاع الإنساني.
فتراهم يركضون في شوارع المدن الكبرى حول كل ما هو ممنوع لديهم, ومن كثرة الممنوعات ليس لديهم الوقت الكافي للتمتع بالسياحية الطبيعية ولا فرق بين كبير وصغير وبين مراهق ورجل بالغ في الأربعين من عمره فالفضول عند الإنسان أكبر من الثقل والاتزان, فالمرء لا يمكن أن يتجاهل نداء المجهول والغامض في داخله فهو يريد أن يعرف لماذا منعت من هذا؟ ولن يردعه إلا الإشباع.
وأتذكر رد وزير الداخلية البريطانية عندما سئل عن الوسيلة الناجحة التي سوف تعتمدها وزارته للتصدي لظاهرة البانك وهم الشباب الوسخ الذي أساء لسمعة بريطانيا فقال: قريبا سوف أدمرهم تمام التدمير فسأله الصحفي كيف؟ فقال: سأمنحم مزيدا من الحرية.
|