Saturday 11th September, 1999 G No. 9844جريدة الجزيرة السبت 1 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9844


كُرة العربان

دعوني أروي لكم هذه الواقعة، معتمداً على ذاكرة مشوشة: منذ أكثر من عشر سنوات جرت مباراة لكرة القدم بين فريق إنجليزي وفريق إيطالي (لعله يوفنتوس) في دولة أوروبية قد تكون بلجيكا أو هولندا، وذلك ضمن بطولة أوروبية, واشتعلت المدرجات بأحداث عنف صاخبة بين المشجعين الإنجليز، والمشجعين الطليان, وكان المتسبب فيها المشجعون الإنجليز، وكانت فئة منهم مجهزة بأدوات العنف من هراوات وجنازير وغيرها, كانت مأساة إنسانية وفضيحة حقيقة، إذ سقط عدد من القتلى من الجانب الإيطالي, وكان واضحاً أن الطليان جُرّوا جرّاً إلى المواجهة في أحداث العنف, وفي اليوم التالي قالت مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء ذلك الوقت، في جلسة علنية في البرلمان إني أشعر بالخزي لكوني إنجليزية , وقامت الشرطة البريطانية بالتعاون مع أجهزة أوروبية بجهود مضنية استغرقت قرابة سنتين، راجعوا فيها الأشرطة التلفزيونية التي سجلت جانباً من أحداث العنف، وباستخدام تقنيات حديثة تمكنوا من تحديد شخصيات مثيري الشغب، وهوياتهم، والتقطوهم واحداً واحداً, وصدرت بحقهم عقوبات قاسية, كل ذلك تم في العلن بدءاً من مقولة تاتشر حتى محاكمة مجرمي الملاعب أولئك, ذلك ليعرف المواطنون أن لا تهاون من قبل السلطة في مثل هذه الأمور ولتعرف بقية العالم أن الحكومة البريطانية جادة في محاربة الهوليجنيزم (مجرمي الملاعب).
تذكرت هذه الواقعة وأنا أشاهد أحداث العنف المخزية التي جرت في عمان من قبل المشجعين الليبيين، ضمن الدورة العربية التي انتهت وقائعها الأسبوع الماضي, وكان المضحك المبكي تصريح حارس مرمى الفريق الليبي حيث قال، وبمنتهى الجديّة: بالعكس، كان الجمهور الليبي في منتهى الأدب ! والله وحده يعلم كيف سيكون الحال، لو لم يكونوا في منتهى الأدب.
ليست المشكلة في شغب الملاعب، فهذا يحدث في كل مكان، من العالم الأول حتى العالم العاشر، والمشاغبون والمخربون موجودون بين كل الشعوب، وفي كل زمن ووقت، ولذا تظهر أحداث شغب الملاعب هنا وهناك، ولكن المشكلة في موقف مسؤولي العالم الثالث - ومنهم عالمنا العربي السعيد - فلم أسمع مرة واحدة مسؤولا بعد أحداث شغب، يدين مواطنيه الذين أشعلوا الأحداث، أو يعتذر، أو يتعهد بملاحقة المشاغبين، بالطبع لم يقل أحد منهم مثلما قال حارس المرمى المذكور اعلاه، لا فضّ فوه، ولكنهم في أحسن الأحوال يصفون الأحداث بأنها مؤسفة، ويبحثون عن مبررات لسلوك مشجعيهم!! أما في أسوأ الأحوال فإن أولئك المسؤولين الموجودين في الملعب يحرضون اللاعبين فتشتعل المدرجات.
ومن المظاهر الأخرى التي تميز كُرة العربان عن بقية كُرة خلق الله، القرارات العاجلة والباترة في حل مجلس إدارة اتحاد كرة القدم أو طرد المدرب شر طردة مضحين بمبالغ كبيرة وحقوق وسيأخذها حتى آخر فلس, وننسى أن الاتحاد الفلاني قد عمل المستحيل للتعاقد مع هذا المدرب أو ذاك, هذه القرارات تؤخذ وبهذه الصورة الخليج إلى المحيط وكأن كل فريق أو منتخب عليه أن يحرز الكأس, وكأن كرة القدم من صميم تاريخنا من أيام امرئ القيس, ولذلك فإن نصف الفرق المشاركة تقوم بطرد المدربين ويقوم نصفها بحل المجلس, أما من لم يفعل ذلك، فلأسباب مالية بالدرجة الأولى.
إيجاد المبررات لمشاغبي الملاعب، والبحث عن كبش فداء للهزيمة وجهان لحالة واحدة تعبّر عن الحالة العربية الراهنة والشخصية العربية، حيث تغض الطرف عن القصور الذاتي، وتقصر عن البحث في الأسباب الحقيقية, وتلقي اللوم على الطرف الآخر من حكام ومشجعين ورجال أمن وظروف جوية مدفوعة بالدفاع عن شرف القبائل الكروية الرفيع الذي لن يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم.
وكل دورة رياضية عربية وأنتم ونحن بألف خير.
د, فهد سعود اليحيا

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
حوار
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved