Wednesday 10th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الاربعاء 22 ذو القعدة


المؤرخ زكي يماني
4-4
د, عبدالله ناصر الفوزان

عدم الانسجام بين بعض آراء معالي الشيخ احمد زكي يماني، وافتقار بعضها الآخر للمنطقية يجعل المتأمل يقع في حيرة وهو يحاول معرفة العلة، لكون معاليه يمتلك الخبرة الطويلة والمعلومة المهمة والعقلية الثاقبة الناضجة، فلماذا يا ترى تشذ بعض آرائه عن الخط الطبيعي لمواهبه,,؟!!
النقد في مثل هذه الحالة المحيرة يبحث عن المفتاح,, مفتاح النص، او مفتاح الشخصية، او مفتاح العمل الفكري، فالغموض اي غموض هو مثل البيوت المقفلة الابواب، لابد- كي تدخل ويفهم مافيها- من العثور اولا على المفتاح، وقد بحثت عن مفتاح تلك الآراء الغامضة التي ابداها الشيخ في حديثه لقناة الجزيرة فوجدته داخل اجابة له عن احد الاسئلة قال عن حاضره وهو في لندن يدير مركزه الخاص ببحوث الطاقة- واعتقد انه يقصد المقارنة بماضيه حينما كان وزيرا للبترول في المملكة- تخلصت من القيود ومن العراقيل واستطيع ان ابدي رأيي بصراحة فهذه العبارة تفتح لنا الباب ولو على شكل موارب لترينا او على الاصح توضح لنا ان عدم الانسجام وضعف المنطقية في بعض آرائه ربما يكون بتأثير بعض المشاعر، فهو- فيما يبدو - غير راض عن تلك البيئة التي كبلته بالقيود والعراقيل، والتأثر بعدم الرضا طبيعة انسانية فهو مثلما قد يبرز في تصرفات باعة الفاكهة في سوق الخضار فانه قد يبدو ايضا في تحليل المفكرين والفلاسفة، ولا يمكن ان يكون الشيخ احمد هو الاستثناء الوحيد في الجنس الانساني، ولكن يمكن ان يكون اقل حدة واكثر اتزانا، وهذا ما بدا لي بوضوح اثناء استماعي لحديثه اسجله له بكل امتنان.
ومن جهة اخرى فالشيخ زكي يقول انه تخلص من القيود ويستطيع ان يبدي رأيه بصراحة، وهذا وهم في رأيي، فهو قد تخلص من قيود عمله السابق، وبيئته السابقة، ومصالحه ومصالح غيره التي كان يراعيها في السابق، ولكنه وقع اسيرا لقيود عمله الجديد، وبيئته الجديدة، ومصالحه ومصالح غيره التي يراعيها الآن، ولا اعتقد ان الشيخ احمد يمكن ان يدعي مثلا بأنه ذهب الى لندن وانشأ مركزه لابحاث الطاقة هكذا لوجه الله، ولا يفترض منه ان يكون كذلك، فهو ذهب واقام المركز لخدمة نفسه عن طريق خدمة الآخرين مثل غيره من اصحاب مراكز الابحاث الخاصة، تماما كما هي حاله حين كان يعمل وزيرا للبترول في المملكة فالهدف في كلتا الحالتين واحد، ولكن الآخرين مختلفون، وبالتالي فالمصالح التي تؤثر عليه مختلفة، اي ان القيود موجودة ايضا، ولكنها مختلفة.
اني احترم الشيخ زكي واقدره ولا اريد ان ادخل في تفاصيل لأوضح كيف ان بعض آرائه الجديدة هي اسيرة لقيوده الجديدة، ولكني اقول انه ليس وحده المأسور بالقيود في حله وترحاله، فكلنا - نحن البشر - هكذا مأسورون بالقيود، وكان في الامكان ان يظل الانسان اي انسان اسيراً في الدائرة الضيقة لقيود الشخصية البحتة، فيكون وضعه اسوأ، لولا عوامل الحماية، او بمعنى اسمى عوامل الخلاص، اي مصالح الآخرين التي تدافع عن نفسها بالرأي والنقاش، فعوامل الخلاص هذه هي التي تمارس - بلا محاكم للرأي- عملية الفرز والتنقية بطريقة غير محسوسة لتشكل النغم الكبير او على الاصح سيمفونية الانسان التي عمرت الكون.
ومن نقاط القوة التي تحسب للشيخ انه مثلما كان يعزف وهو عندنا وزيرا للبترول، فقد واصل العزف بعد ذلك، ومن حقه ان يفعل هذا، بل يشكر عليه، ومن حقه ان يعرض آراءه ومن حق غيره ان يختلف معه، فالاختلاف في الرأي امر طبيعي، ويخطىء ذلك الذي يجزم انه يملك الرأي الصحيح، اما المعلومة التاريخية فيمكن الاطمئنان الى صحتها وقيمتها واهميتها وفائدتها عندما تقدم من مسؤول مهم متخصص ظل السنوات الطوال وهو يصنع تلك المعلومة ويؤثر فيها مثل معالي الشيخ احمد زكي يماني الذي اجله واحتفظ له في نفسي بكل الود والتقدير والاحترام.

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
محاضرة
منوعــات
المحرر الأمني
الرياضية
العالم اليوم
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved