Wednesday 10th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الاربعاء 22 ذو القعدة


المسؤولية الوطنية والأخلاقية للمعلن السعودي
حمّاد بن حامد السالمي

تجربة الاستثمار في مجال الإعلام والإعلان من جانب المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي؛ جاءت متأخرة عن تجارب دول اخرى في المنطقة مثل لبنان ومصر على سبيل المثال، ومع ذلك فان التجربة التي خاضها المستثمرون من المملكة ومن بعض الدول الخليجية صحافياً واذاعياً وتلفزياً جاءت اسرع وأقوى، وحققت تقدماً كبيراً في فترة زمنية قصيرة، وساعد على ذلك عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية واعلامية، دفعت بهذه التجارب التي خاضها افراد وشركاء ومؤسسات الى الامام بأقصى سرعة، فمنطقة الخليج كانت ومازالت؛ هي قطب ومدار اهتمامات اقليمية ودولية في الجوانب السياسية والاقتصادية منذ العام 1973م، في الوقت الذي كانت فيه الوسائل الاعلامية فيها؛ من صحافة واذاعة وتلفزات، أقل ما يقال عنها بأنها ضعيفة، ولا تخرج عن النمط الرسمي التقليدي الذي عرفت به كل وسيلة اعلامية تمثل الحكم، فكان من الواضح ان الانشطة الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي تزخر بها المنطقة؛ تحتاج الى مواكبة اعلامية واعلانية بمفهوم جديد ومتطور، فظهرت شركة تهامة ومطبوعات الشركة السعودية، وتلفزيون الشرق الاوسط، ثم مجموعة العرب التلفزيونية والاذاعية، وتلا ذلك اذاعات وتلفزات ومطبوعات كان آخرها تلفزيون الجزيرة من قطر.
كانت هذه مقدمة لموضوع اشعر انه لابد من بحثه والتأكيد على ثوابت جوهرية فيه تمس الأخلاق العامة، وتمس الواجب حيال الوطن، ومناصرة قضاياه العامة، سواء على مستوى المملكة العربية السعودية، او على مستوى منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث المملكة احد الاعضاء الناشطين فيه,واذا كان الدكتور فهد بن ابراهيم آل ابراهيم قد ناقش في مقال له يوم 14 من شهر ذي القعدة الحالي في هذه الصحيفة مسألة الانحلال الفضائي في فضائيات عربية مملوكة لمستثمرين سعوديين، وتطرق لما يجب ان يتحلى به المستثمر السعودي في هذا الجانب من مسؤولية خلقية ترفع عن وسيلته الاعلامية الفسق والاستهتار والفضائحيات ، والكاتب الفاضل محق في ذلك، وقد عالج دور المستمثر في هذا الجانب بما تمليه المبادىء الدينية والخلقية والوطنية على الجميع، وخاصة من ينتسب لهذه البلاد، ويحمل اسمها، ويتوجه بخطابه الإعلامي والدعائي والإعلاني الى شعبها، وهي معالجة لا تحتاج الى اضافة.
واذا كان الطرف المستثمر في ميدان الإعلام والإعلان يتحمل مسؤولية اخلاقية ووطنية كبيرة حيال الأمة والجيل والوطن؛ فان هذه المسؤلية هي الاخرى مناطة بالسوق الممول للوسائل والقنوات الاعلامية، التي بدورها تعتمد بشكل رئيس على هذه السوق، كما هو واضح من التسابق الحاصل بين عدة اطراف اعلامية للاستحواذ على نصيب اوفر من الحصة السعودية والخليجية المخصصة للاعلان، وهي تجاوز مئات الملايين من الدولارات سنوياً, ويأتي هذا في ظل عدم وجود استراتيجية موجهة للاعلان - بمعنى عدم توظيفه بما يخدم مصالحنا الاخلاقية والوطنية، وبما يناصر قضايانا الاقليمية والدولية- وزاد من سوء الامر؛ انعدام الوعي لدى العميل الذي يغرر به في معظم الاحيان، ويذهب ضحية دراسات وهمية، وايحاءات مموهة بهدف استنزاف السوق اكثر فأكثر، وفق نظرة احادية من طرف المستثمرين اصحاب الوسائل الاعلامية المختلفة، تقوم في الغالب على الاغراء الجسدي الذي يتبعه اسفاف فني ثقافي غير اخلاقي، عوضاً عن تسلل عناصر مأجورة تخدم في الجملة اطرافاً تعادي المملكة، وتعمل هدماً في البنية السياسية والاجتماعية والثقافية لدول مجلس التعاون الخليجي، من باب البرامج المتلفزة والمذاعة والمدعومة اعلانياً من السوق السعودية والخليجية.
لقد كانت اذاعة مونتيكارلو - على سبيل المثال- تبث دعاية مناصرة للعراق ومناهضة للمملكة العربية السعودية والكويت ودول المجلس ابان العدوان العراقي على الكويت، وفي الوقت نفسه تبث مواد اعلانية من سوق المملكة العربية السعودية، فهي تتخذ موقفاً معادياً لنا ولكنها في الوقت نفسه تلقى الدعم من شركاتنا ومؤسساتنا ورجال اعمالنا، فاذا كانت هذه المحطة تعمل بروح تفتقر الى الأخلاقية المهنية، وتجاهر بعدائها لنا كشعب له مؤسساته وله قدراته السياسية والاقتصادية التي لا تستغني عنها هي ولا مثلها؛ فكيف نقبل نحن كشعب ومؤسسات وشركات ومستثمرين دعم هذه المحطة المعادية التي ليس لها من اخلاق المهنة ما يردع مواقفها المناهضة لنا والداعمة لعدونا؟!
كنت اسأل نفسي هذا السؤال قبل تسع من السنين حتى ظهرت قناة الجزيرة التلفزيونية في قطر، فاذا نحن لم نتعلم الدرس، ولم نستوعب التجربة، ولا يبدو في الأفق بادرة وعي حقيقية بدور الاعلان عوضاً عن دور الإعلام، والاعلان هو في صورته الاولى اعلام، وينبغي ان يكون محكوماً بأسس ومبادىء واخلاقيات تراعي مصلحة الشعب واخلاقه، والوطن وتوجهاته، مثلما تراعي مصلحة المستثمر والمعلن معا، ومايحدث اليوم يحتاج الى مراجعة وتدقيق، لأن مايحز في النفس؛ ان وسائل ومحطات مثل قناة الجزيرة ، تمول اعلانياً من السوق السعودية؛ ثم نجدها في الوقت نفسه تتحامل على المملكة، بل وتبدو وكأنها تحمل مواقف عدائية مسبقة من هذه البلاد وقادتها وشعبها، وتتبنى مبادرات - يسمونها اعلامية- أقل ما يقال عنها بأنها طعن وتشويه لسياسة بلادنا ودورها الكبير عربياً واقليمياً ودولياً، ونحن لا يعنينا طروحات اعلامية معادية هنا او هناك، لكن عندما يكون هذا بدعم مالي واعلاني من سوقنا ومن مؤسساتنا فالامر يختلف، ولنتصور برنامجاً اسبوعياً هو الاتجاه المعاكس يبدأ بدعاية من السوق السعودية، وهذه الدعاية تتخلل هذا البرنامج وتختمه، وهو ينفث السموم باتجاه المملكة من ألفه الى يائه! اين هو الوعي لدى هذا المعلن الذي يؤكد اصالته في الاعلان؟ وما حجم المسؤولية الاخلاقية والوطنية الملقاة على عاتق هكذا معلن، وهكذا وسيط في مثل هذه الصفقة التي تمول برنامجاً معادياً ومحطة متحاملة علينا في كل الاوقات؟
مرات كثيرة رددت أمام هذا المشهد كلمة عيب,, عيب والله,, ولكن هذه العبارة قليلة في مثل هذه المسألة، اذ لابد من سياسة واعية ورصينة تقنن الدعم الاعلاني الموجه لخارج الحدود، بحيث يكون موجهاً بصورة صحيحة تخدم شعبنا وبلدنا، وتناصر قضايانا، وتنسجم مع سياساتنا، وتدعم وتناصر من يدعمنا ويناصرنا، وتمتنع على المغرضين والحاقدين والمتاجرين بالمواقف الدعائية المضللة، وهذا ليس حراماً ولا عيباً، بل هو مشروع ومطلوب، ولعل لدى مجالس الغرف التجارية في المملكة؛ ووزارة الاعلام؛ ومجلس الاعلام الأعلى، من الصيغ التنظيمية الملحة اليوم ما يكفل بروز ميثاق عمل أخلاقي مهني في هذا الصدد في القريب العاجل.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
محاضرة
منوعــات
المحرر الأمني
الرياضية
العالم اليوم
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved