Wednesday 10th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الاربعاء 22 ذو القعدة


ويظلُ السؤال,,!
إبراهيم عبد الرحمن التركي

(1)
** قال
أين المسألة؟
ضل أفق البوح
عن فهم صلة !
ضجُّ صوت الريح
في سمع لغة !
من يحل المشكلة ؟
** لا تقل
من أين تأتي الشمس ؟
لا تسل
هل حان وقت الهمس ؟
ما الفرق بين اليوم
بعد الأمس ؟
والخوف إثر الرّمس
والحبر دون الطرس
دع ما يزيد البأس !
وأعد الى معنى الهوى
ما لم ينله الكأس!
* * *
(2)
** الفوضى لغة في النظام ، كما أن المشكلة معنى للحل ، والتخلف منطق في بيان التقدم !
** والسؤال - وان تسطح - أسلوب في البحث عن دلالات الائتلاف والاختلاف، وليس مهماً أن يجيء طويلاً ، مملاً ساذجاً عادياً ، مركباً مغلقاً أو ضد ذلك فجميل أن نسأل ولا بأس إن لم نُجب او لم يُجب عنا أو علينا!
** وإذن فالحق المشروع هو ما تختمه علامة الاستفهام ، واذا استطعت رسمها داخل دائرة الوعي فلا ضير ان وردت الاجابة ضمن لجاجة العي !
** عودوا الى طبيعتكم وتذكروا نوع الأسئلة التي نواجه بها أصدقاءنا وزملاءنا والعابرين في فضاءاتنا، أو يواجهوننا بها,,!
** كيف انت؟ من أين أنت؟ كم عمرك؟ كم دخلك؟
** أو ربما:
** ما اسمك؟ ما هو لونك المفضل؟ ماذا تحب ان تأكل؟ أين تود الاصطياف؟
** وقد تجيء الاستفهامات بشكل آخر:
** هل انت سعيد؟ هل تزوجت عن اقتناع/ وحب/ بشكل تقليدي/,, الخ؟
** كم عدد أولادك؟ ما نوع سيارتك؟ هل تسكن في شقة ام منزل ام قصر؟
** ما هي شهادتك؟ من اين اصلك وفصلك وقبيلتك,,,؟
(3)
** واصلوا - إن شئتم - مستهدين بما تتذكرونه من ملامح نمطية لما يمكن ان ينتج عن حوار سريع او بطيء دار بينكم وبين آخرين داخل مسارب الحياة المتصلة، وأضيفوا ما لم تتضمنه القائمة الآنفة، وقد تجدون كثيراً سواها لتبقى القضية مؤطرة بحقيقة اننا نطرح الاسئلة الفارغة ونتجاوز الممتلئة ونزعم اننا نعرف فلاناً لأن اسمه كذا، ورسمه كذا، ودخله وشهاداته وعدد أولاده وقبيلته وسياراته وغيرها كذا وكذا وكذا,,!
** هكذا نحن، وليس فينا من هو غير ذلك الا من رحم التجاوز الذهني فأدرك عن صاحبه أكثر مما أدرك السادر عن الهدى، والساهر عن الضحى، والمتورم عن اللِّين والطين !
** إننا نظل معنيين بالسطح دون القاع ، وبالأطراف قبل المركز وبالشكل أكثر من المضمون ، ولن يسعفنا ايقاع العلاقات في هذا الزمن الصاخب - أن نغوص ونتأمل ونرى الذات الصديقة مجردة من إطار خادع قد يشي بشيء دون ان يصنع شيئاً ولا تعجبوا بعد ان ظلت الروابط هشة غير ذات جدوى او تأثير!.
(4)
** ما الذي نحتاج اليه لنعرف الآخر؟!
** لا جدل في اهمية الاسم والرسم ولكنهما لا يمثلان اي امتداد ذهني لأبعاد الوهج المشع المشبع في ذائقة الاقتراب ولألائه!
** وربما أجادت (أحلام مستغانمي) في (فوضى الحواس)، وهي تجسد جانباً من الحوار الغرائبي الذي دار بينهما:
* الناس؟ انهم لا يطرحون عليك عادة الا اسئلة غبية يجبرونك على الرد عليها بأجوبة غبية مثلها,.
* يسألونك مثلاً ماذا تعمل؟ لا ماذا كنت تريد أن تكون؟!
* يسألونك عن اخبار المرأة التي تزوجتها,, لا عن أخبار تلك التي تحبها؟
* يسألونك ما اسمك؟ لا ما اذا كان هذا الاسم يناسبك!
* يسألونك ما عمرك؟ لا كم عشت من هذا العمر؟
* يسألونك اي مدينة تسكن؟ لا اي مدينة تسكنك؟
* يسألونك هل ,,, ولا يسألونك هل تخاف الله؟
* ولذا تعودت أن أجيب عن هذه الاسئلة بالصمت، فنحن عندما نصمت نجبر الآخرين على تدارك خطاياهم,,.
(ص 79، ط2/ 1998م)
(5)
** لعل الصورة قد اتضحت - الآن - بشكل جلي، ولعلها بررت كثيراً من البرود الذي يلف دوائر العلاقات حتى تصبح - وقد خلناها متينة - أوهى من خطوط وخيوط العنكبوت!
** لا نتعب في البحث عن صداقاتنا ولا يهمنا ان تثاقلت خطواتنا ونحن نقطع الطريق، كما لا نعجب ان تسارعت كذلك! فقد ولدنا لنحب ونعشق ونكره ونسلو ونجفو ونعيش أو نتعايش مع الفصول الأربعة بل العشرة عبر معانٍ متناثرة لِمن نعرف وما نعرف لدرجة قد نبدو بها دون مشاعر ! ومن وجد في ذاته او من ذاته إمكان الإبحار الى عمق رفيقه او زوجه او صديقه ليمرج بحراهما بعذبه وأجاجه مزيجاً ذا لون مختلف، وطعم مختلف، وتكوين دائم,,.
من كان منكم كذلك فليأذن بحكاية أصعب نواجهها مع انفسنا حين نكتشف - متأخرين - أننا لم نجلس معها في حوار صادق لنتعرف على دواخلها ، وإذ لا مقارنة بين الاشكالين في حجم الخلل فلا مناص من أننا لا نعرف بعد كيف نسأل لندرك - من ثم - كيف نجيب؟
** إن معرفة الآخر أسهل من معرفة النفس التي ذهب كثير من المفكرين الى انها مستحيلة فلو عرف الانسان ذاته - كما قال العقاد - لعرف كل شيء في الأرض والسماء، والجهر والخفاء,, ولم يكتب ذلك لأحد من أبناء الفناء !
* * *
(6)
** سقط السؤال الحياتي إذن، وبقي أن يحاول من يسوءه ذلك أن ينقذه أو يأخذ بيده،ولكن,, ماذا عن السؤال المعرفي الذي بات تائهاً أو مكروراً او متكلفاً ولا احد قادر على عمل شيء من أجله!
** إن السؤال هو الذي يحدد آلية الادراك سواء ورد السؤال معلناً أو مضمراً كما صنفه الدكتور نصر حامد أبو زيد في كتابه (إشكاليات القراءة وآليات التأويل .
** وربما عادت بنا الذاكرة الى اجابة افلاطون العتيقة حين سئل عن الفلسفة فرد بأن هذا السؤال فاسد!
(7)
** تعتمد كثير من النظريات الفكرية والتربوية على تعزيز السؤال فهو يثير كما يثري ويحكي مثلما يحاكي والمحصلة مزيد من التجارب ومزيد من الفهم ومزيد من الحقائق !
** وقد تعلمت أجيال عديدة من خلال استفهامات افتراضية قد تبدو بلا هوية أو عنوان أو مرجعية ، ثم سارت وطارت لتحط على مدارج البحث وكان منها مشروعات لأفكار جديدة ورؤى مختلفة بل تأ سست من ذلك علوم كونية وشرعية وتنظيرية أضافت الى العطاء الانساني على مدى التاريخ!
(8)
** تطول الخطى خلف قافلة السؤال وتبقى كثير من الاستفهامات معلقة لا تجد من يجرؤ أو من يقدر على الاجابة عنها!
** ومنذ ان طرح دستوفسكي سؤاله المؤرِّق: كيف يكون أكثر مجداً قذفُ مدينة محاصرة بالصواريخ من قتل انسان بضربات فأس؟! وقبله وبعده، وأسئلة تهمي كالمطر تفتش عمن يستطيع فك المستغلق وحل المشكلِ وتجلية الغائم !
** هنا لن تستطيع الذاكرة استدعاء الكم الهائل المتتالي من الاستفهامات الصعبة التي لا تجد مجالاً لبحث او منطقاً لجواب!.
** وتظل الأسئلة الكبيرة بحاجة الى كبار يطرحونها وكبار يناقشونها وكبار يجيبون عنها.
** الكبار - وحدهم - هم الذين يرضون بلغة الوعي التي ترفض الحجر على التفكير وخنق الأسئلة !
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
محاضرة
منوعــات
المحرر الأمني
الرياضية
العالم اليوم
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved