Sunday 7th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 19 ذو القعدة


خواطر على الوتر الحساس

** عالم الرواية رحب مترامي الاطراف,, له طبيعة متنوعة ثرية,, وزمن خاص يلتقي فيه الحاضر بالماضي مع حرية في استشراف المستقبل,, والروائي ذلك المبدع الموهوب له قدرات متميزة له في الاستناد الى الواقع من حيث المكان والزمان والرموز والاحداث بينما تأتي الشخصيات المجسدة لكل ما سبق من الخيال,, هي معادلة على اساسها تتضح رؤيته وتتحدد افكاره ومعالجته لمختلف المواقف الانسانية,,تاريخية او معاصرة,, جماعية او فردية,, وسواء كان يهدف الى التثقيف او التنوير وربما التسجيل لما يكون قد عايشه وتأثر به,, فهو مطالب دائما بقدر من الواقع الذي يتراوح ما بين الخيال والنظرة البعيدة لما هو متوقع.
وفي عالم الرواية بأشكاله المختلفة القديم والمعاصر روائيون تحولت اعمالهم مع الايام الى جزء لا يتجزأ من حياة المتلقي لما كان لها من مصداقية وتأثير ليس فقط على المستوى الفردي وانما اجتماعي,, ساعد على هذا ما استجد مع فن الرواية من فنون اخرى مثل السينما والتليفزيون التي وان كنا نصفها بأنها تعد منافسا خطيرا لعالم الرواية في حد ذاته الا انها كانت بمثابة الروح التي بعث في هذا الجسد المسمى بالرواية فجعلته يتكلم ويتحرك ويملأ السمع والابصار بل يضيف الى الرواية لقبا جديدا اذا جاز التعبير - لقب فيلم او مسلسل تليفزيوني,, وان كان لكل من هذين اللقبين روح مختلفة ومعالجة خاصة للاصل,, فالاول محكوم بتقنيات خاصة اهمها عنصر الزمن,, والثاني يمتاز بخاصية امتلاك الزمن,, فالفيلم من الصعب ان تزيد مدته على ساعتين بينما للمسلسل ان يمتد الى اكثر من اربعين ساعة,, وهي بالطبع بمعدل ساعة كل يوم,, هذا الاختلاف بينما الاصل واحد احيانا وهو الرواية وقد سبق الفن السينمائي في عملية تحويل الرواية الى فيلم,, وكان له السبق في الاستعانة بالاعمال الروائية الناجحة لمشاهير الادباء المعاصرين,, وارتبطت الجماهير العريضة بهذه الاعمال السينمائية ارتباطاً وثيقاً التليفزيون بعرضه لهذه الاعمال باعتبارها تاريخاً فنياً لا يمكن اغفاله,, ومنها ما كان سيتفق مع الاحتفال بأحداث تاريخية مهمة,, وكان يتم عرضه - بدون مبالغة - مرة كل عام في تاريخ محدد,, ومرة اخرى بدون مناسبة,, واذا حسبنا عدد هذه المرات فسنجدها تفوق الاربعين مرة!!,, وحقيقة لنا ان نشكر التليفزيون المصري اولاً لان هناك من يستفيد من تكرار هذا العرض,, وهم اصحاب هذا العمل السينمائي,, بالاضافة الى ان الاجيال الجديدة من حقها ان تكون على علم بهذا التاريخ الفني,, ولكن في الوقت الذي اصبح للتلفزيون اسلوبه الخاص وامكانياته بل ومبدعوه المتفرغون لتقديم كل ماهو جديد سواء كان معاصراً او مأخوذاً عن اعمال روائية ايضاً لمشاهير الادباء لم تتعرض لها السينما لسبب ما,, تراه رغم هذا يعيد تقديم افلام سينمائية كمسلسل,, بحجة ان هناك تفاصيل اغفلتها السينما واسلوب المسلسل يتيح تقديم الرواية بتفاصيلها وهذا هو الجديد!,, مالم نره حتى الان مسلسل نحن لا نزرع الشوك و شيء من الخوف ,, وهما للاديبين يوسف السباعي وثروت اباظة,, وكلاهما عرفتهما السينما المصرية وكانت من الاعمال الناجحة التي ارتبطت بها اذان الجماهير وما زالت,, اما العمل الذي رأيناه واثار حوله الجدل الكثير فكان مسلسل رد قلبي للاديب الراحل يوسف السباعي,, وبغض النظر عن المقارنة بين الفيلم والمسلسل,, من حيث الجودة فنياً فأهم ما كان لافتاً للنظر في تلك المعالجة التليفزيونية,, انها لم تأت بتفاصيل اغفلها الفيلم السينمائي المحكوم بعنصر الوقت المحدد,, وانما التفاصيل التي اتت بها المعالجة التليفزيونية هي تفاصيل مضافة من وجهة نظر المعالجة التليفزيونية وربما للتجديد والنتيجة البعد تماماً عن جوهر الرواية الاصلي مما اضعفها وجعلها صورة اخرى,, من حيث المفهوم والمضمون وهنا يفرض السؤال نفسه,, الى اي مدى من حق الفن السينمائي والتليفزيوني التدخل سواء بالاضافة او الحذف في محتوى الاصل الروائي؟ هذا السؤال هو في حد ذاته يعد قضية جدلية يثيرها النقاد اذا كان الامر يتعلق بفيلم سينمائي,, فنراهم مثلا يأخذون عليه اغفال تفاصيل من وجهة نظرهم مهمة وحيوية وتفضيل تفاصيل اخرى كان للسيناريست او المخرج رؤيتهما الخاصة فيها باعتبارها هي التفاصيل الاقرب لانجاح الرواية سينمائيا,, وينتهي الامر غالبا الى ان للسينما رؤيتها الخاصة كما ان المعالجة الدرامية سينمائيا لها قواعدها المختلفة الى حد كبير عن القواعد الروائية,, واذا كان متعلقا بالمسلسل التليفزيوني ومعالجته الدرامية للرواية نجده في بعض الاحيان يتعرض للنقد الشديد ليس لكونه اغفل تفاصيل ولكن لانه اطال واسهب فما كان منه الا ان تحول الى عمل ممل,, غير مجد خاصة واذا كان لم يذكر ان هذه معالجة جديدة او ان العمل الدرامي مأخوذ عن الاصل حتى يتجنب النقد بأنه لم يكن امينا فيما يقدمه.
ويثير ايضا هذا المسلسل الذي سبقه فيلم ناجح جدا سؤالا آخر,, وهو هل يصبح القول بأن هناك روايات تعد نتاج عصرها فقط,, بينما هناك روايات اخرى هي مهما طال الزمن صالحة لكل العصور؟!
ردا على هذا السؤال نقول ان بعض الروايات هي بالفعل نتاج عصرها اذا ما كانت مبنية على اساس الاحداث والمفاهيم والاتجاهات التي عاصرت ظهورها,, ولذلك تظل الرواية رهينة هذا العصر شاهدة عليه,, واستعادتها في عصر مختلف في المفاهيم والاحداث يجعلها احيانا غير ملائمة,وفي الحالة الثانية - اي الرواية الصالحة لكل العصور - نجد ان هذا النوع من الروايات هو ذلك الذي يتناول المفاهيم الانسانية بشكل عام والمواقف او الاحداث التاريخية على وجه الخصوص,, فتصبح وكأنها مرجع واساس تحتاجه بين الحين والآخر.
واذا صح هذا القول,, يبقى لنا ان نتنبه ان في عصرنا الراهن يفضل الاستعانة- خاصة في التليفزيون- بالروايات او الاعمال التي تتناول مشاكلنا وقضايانا المعاصرة,, حتى لا نظل محلك سر, فما نعاني منه لم يعد مسألة الفوارق الطبقية وغيرها من المشكلات في زمن تدور فيه عملية التطور اسرع من الصوت والضوء واصبحت المفاهيم والافكار والتطلعات مغايرة تماما,, وهذا ما تنبه له اسامة انور عكاشة في كل ما يقدمه للتليفزيون حتى ان اعماله يصح ان نصفها بأنها ليست معالجات درامية تليفزيونية فقط وانما هو يرسى بها قاعدة جديدة يمكن ان نطلق عليها الادب التليفزيوني المعاصر ,,!
مالك ناصر درار
backtop
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved